كل من طور ورقى منهجية فكره وإدراكه وحكمه على الأمور بمنظور التمحيص وراكم خبرة في حقائق النفوس يدرك أن المثل القائل «المكتوب باين من عنوانه» ليس صحيحا، وقائله ومن يتداوله لم يتجاوزوا مستوى التفكير السطحي اللاواعي وللأسف إن هذا هو النمط السائد في الثقافة العامة التي تكرس المنظور اللاواعي في الحكم على الأمور عبر ليس إدراكها بواقعها وحقيقتها الذاتية إنما عبر مقايستها على قالب مسبق معمم، فإن وافقت القالب تم إسباغ كل صفات الخيرية والنورانية عليها، وتمت معاملتها بمحاباة على هذا الأساس، وإن لم توافق القالب تم إسقاط كل صفات السوء والظلمات عليها وتم معاملتها على هذا الأساس واضطهادها بناء عليه، ولهذا لا عجب أن هذا المنظور يؤدي لإشاعة التوتر والعدوانية بين أهل المجتمع الواحد بل حتى بين أفراد الأسرة الواحدة ناهيك عن ما بين الشعوب والأمم، ولهذا أول خطوة لإزالة التوترات العامة والخاصة هو عدم الحكم على المكتوب من عنوانه أي «تصنيفه»، أي لا تحكم أن كل أهل دين أو عرق أو جنس أو بلد معين هم سيؤون لأنه كانت لك خبرة سلبية مع واحد منهم أو لأن بعضا منهم قاموا بأفعال سيئة، فكل إنسان هو كون كامل بالغ التعقيد ولا يمكن أن يصح اعتبار أن كل من لهم انتماء متشابه هم نسخ من بعضهم، ثم الله تعالى قرر حقيقة أنه يجب أن (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، أي أن حتى الأخ لا يؤخذ بجريرة أخيه ولا الابن بجريرة أبيه، بينما النمط البدائي الغرائزي الغوغائي هو نمط الثأر من كل من يمت بصلة لعائلة وقبيلة وجماعة وقوم. شخص أو أشخاص اقترفوا سوءا، والله سيحاسب هؤلاء الغوغائيين على جنايتهم على الأبرياء.