لم تعد متابعة العمليات الحربية ووقائعها الآنية على الأرض شأن السياسيين في أروقة الهيئات الدولية والبعثات الدبلوماسية، أو القادة في مراكز التوجيه والتعبئة المعنوية، أو الضباط والجنود في الميادين، بل أصبحت مسرحا يشاهده الجميع، من خلال ثورة وسائل الاتصال وما تتيحه من إمكانيات، تمكن حامل هاتف جوال أن يرصد لحظة إطلاق صاروخ من بارجة حربية أو قذيفة مدفع أو تحليق طائرة في سماء العدو أو إصابة الأهداف العسكرية لحظة اشتعالها، وهو جالس في شرفة منزله يحتسي قهوته أو في سيارته على الطريق العام، وخلال ثوانٍ يبث صورتها على الشبكة العنكبوتية لتكون بين يدي الملايين، فتتحرك أناملهم لتتوالد أعداد المتابعين والمرسلين في أنحاء الدنيا.. وكل يضيف إلى ما بين يديه تعليقه ورأيه، بل وحتى تزييفه وتغيير تاريخ الحدث وموقعه ودواعيه ونتائجه، فتنتقل «المعلومة» المحددة الحقيقية تاريخا ومكانا إلى «أسطورة» يستولدها ويستثمرها الجميع كل بطريقته. ومن يتابع بعض ما تنقله وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات التقنية الحديثة، هذه الأيام، من صور وأخبار وتعليقات عن «عاصفة الحزم» تتكشف له أبعاد مخاطر انعدام الوعي بما يقدمه الكثير من المتربصين والمرجفين.. إن انعدام الوعي وتهوين أضرار بث المعلومات الكاذبة يوقع الكثيرين في فخ وسائل إعلام الجماعات المتطرفة والأطراف الحاقدة التي توظف الظرف لإيصال رسائلها الخطرة مغلفة بقشرة من «الموضوعية» المصطنعة التي لا تغيب أهدافها ومقاصدها عن المتفحص اليقظ.. ومن المتفق عليه أن الحرب ليست نزهة وليست خيارا يسعى إليه العقلاء، لكنها تصبح واجبة حين يهدد أمن الأوطان واستقرارها. وبلادنا تخوض معركة شريفة ضد من يهددها ويعرض أمنها وسلامة مواطنيها وأمن المنطقة كلها للخطر، بعد أن اعتدى الانقلابيون الحوثيون وحلفاؤهم ومن يقف خلفهم على الشرعية في اليمن وعملوا ضد إرادة غالبية هذا الوطن لنشر الفوضى والقضاء على الدولة ومؤسساتها.. و«عاصفة الحزم» ترجمة عملية لموقف أخلاقي مبدئي وقرار سياسي بني على مصالح عليا للوطن تؤكد ضرورة إنقاذ اليمن من خطر الفوضى والحروب الأهلية وغياب سلطة الدولة، وهو الهدف الذي يسعى له الانقلابيون الذين تحركهم أطماع الاستيلاء على السلطة والتفرد بها ودعم شركائهم في الخارج ومؤامرات أعوانهم في الداخل.. وإذا كان أبطالنا في الجو والبحر والبر يؤدون الواجب على أكمل صورة يعتز بها كل من ينتمي لهذا الوطن، فإن غيرهم من المواطنين والإخوة المقيمين مطالبون بالوعي الكامل لأخطار الشائعات وخطر نقل ما يبث دون تمحيص أو تدقيق ودون الرجوع إلى المصادر الموثوقة التي تعطي المعلومة الدقيقة في وقتها وصحتها.. المشاركة في الحرب المشروعة مسؤولية الجميع، وتحصين العقول والقلوب ضد التشويش والإشاعات جزء أساس من أعمال القتال، فلنكن حذرين ضد الاستهانة بنقل المعلومات غير الدقيقة وإشاعتها بين الناس، بل لا بد من التصدي لها وكشف عيوبها وإظهار خللها وأهداف من يقف خلفها.