قبل قرنين من الزمان ابتعث الشاب الأزهري رفاعة الطهطاوي إلى باريس مع مجموعة من شباب مصر لطلب العلم في فرنسا. أرسل معهم لكي يؤمهم في صلاتهم ويفقههم في أمور دينهم. بيد أن طموحاته العالية أبت عليه إلا أن يتعلم الفرنسية ويجيدها ويعايش الفرنسيين ليتعرف عن قرب على أسلوب حياتهم بما فيه حسنات وسيئات . تمخض عن تجربته تلك كتابه «تخليص الإبريز إلى تلخيص باريز» يصف فيه حياته في فرنسا. أستخلص هنا فقرات من كتابه الذي ألفه بأسلوب القرن التاسع عشر. «سافرت في صحبة الأفندية المبعوثين لتعلم العلوم والفنون الموجودة بهذه المدينة البهية ومكثوا أياما في الكرنتينة عند وصولهم الى مرسيليا فوصلنا إلى بيت خارج المدينة معد للكرنتينة على عادتهم من أن من أتى من خارج البلاد لا بد أن يكرتن قبل أن يدخل المدينة»، ويستطرد في حديثه عن الكرنيتنة التي يكرتن فيها القادمون إلى فرنسا فيقول «ولنذكر هنا ما قيل في الكرنتينة بين علماء المغرب على ما حكاه لي بعض من يوثق به من فضلاء الغرب، قال: وقعت بين العلامة الشيخ محمد المناعي التونسي المالكي المدرس بجامعة الزيتونة ومفتي الحنفية الشيخ محمد بيرم المؤلف عدة كتب في المنقول والمعقول وله تاريخ دولة بني عثمان من مبدئها إلى السلطان محمود الحالي محاورة حول إباحة الكرنتينة وحظرها. قال الأول بتحريمها، وأفتى الثاني بإباحتها، بل وبوجوبها. واستدل كلاهما بأدلة من الكتاب والسنة. أما الأول فأقام الأدلة على التحريم وألف في ذلك رسالة استدل فيها على أن الكرنتينة من جملة الفرار من القضاء». ويستطرد فيقول «ووقعت بينهما محاورة أيضا عن كروية الأرض وبسطها. فالبسط للمناعي، والكروية لخصمه . وممن قال من علماء المغرب بأن الأرض مستديرة وأنها سائرة العلامة الشيخ مختار الكنتاوي بأرض ازوات بقرب بلاد تمبكتو ، وهو مؤلف مختصر في فقه مالك ضاهى به متن خليل، وضاهى أيضا ألفية ابن مالك في النحو ،وله غير ذلك من المصنفات في العلوم الظاهرية والباطنية». الكتاب جدير بالقراءة وهو مبسوط على الإنترنيت. أما عزيمة الشيخ رفاعة الطهطاوي فتستحق منا التقدير وإن اختلفنا معه في بعض آرائه إلا أن الاختلاف – كما تعلمنا من أساتذتنا - لا يفسد للود قضية.