حين يكون الثقل السياسي لأي دولة مقدرا دوليا يولد الثقة لأي دور تقوم به. ولهذا نجد أن المملكة لعبت أدوارا دبلوماسية عديدة، حققت فيها نجاحات متقدمة، وعالجت كثيرا من التأزمات ونزع فتيل الفرقة بين بعض الدول أو الاختلافات الحادثة في الدولة الواحدة بين النظام والمختلفين معه؛ لاستهداف منع التصدع والحد من الانشقاقات التي يمكن لها العصف بتلك الدولة. ونتذكر العديد من المبادرات السعودية التي أحدثتها دبلوماسيتها من تغييرات وإصلاح في تلك الاختلافات، وقد تكون أقرب للذاكرة المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، أو اليمنية اليمنية، أو قضية لوكربي، أو المحافظة على وحدة الخليج بإحداث مصالحات بين أعضاء المجلس في أزمان مختلفة، حتى غدا مجلس التعاون التكتل العربي الوحيد الذي اخترق ثلاثة عقود من غير أن تنهار بنيته، كما حدث لكثير من الوحدات والتكتلات العربية التي دخلت إلى ذمة التاريخ كتجارب فاشلة. وتبني المملكة لمبادرة خادم الحرمين الشريفين للمصالحه المصرية القطرية هي مبادرة حملت صفة المفاجأة، بما أحدثته المواقف السياسية من تباين وتأزم بين بعض دول مجلس التعاون، مما حمل بعض المحللين على استبعاد حدوث تدخل سعودي فيما هو قائم من شد وجذب بين الدولتين المصرية والقطرية. وذهب الترجيح إلى استمرار التأزم بين الدولتين في ظل أوضاع المنطقة المرتبك، والقول بأن مخطط (الفوضى الخلاقة) لم يستكمل بعد، إلا أن انتصار الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة عجل بعودة العلاقات الخليجية الخليجية سريعا، وكبح جماح أي اختلاف سياسي، وقد تكون المعرفة الواقعية بحال الدول العربية وما تعيشه من اهتزاز وارتباك حادين قدم أفضلية تنقية الأجواء بين دول المجلس، والبحث عن وسائل التقارب لعودة الثبات والاستقرار لدولة كمصر لطالما مثلت دور القوة التاريخية في تثبيت الخارطة، واسترجاع مصر لحالتها الاعتيادية منح الثقة لبقية الدول العربية في استعادة أوضاعها المستقرة فيما قبل هبوب رياح الربيع العربي. والمبادرة حققت اختراق حاجز استحالة التواصل بين الدولتين، متخطية كل الأقاويل الذاهبة إلى تعميق الفرقة وبإعلان المبادرة والتقاء زعيمي الدولتين تدخل الدولتان إلى المنطقة الباردة والقادرة على إخماد شرارات التصعيد.