برزت مملكتنا الحبيبة كلاعب دبلوماسي عالمي مؤثر، قادر على التوسط في أكثر النزاعات تعقيدًا، وأوضحت من خلال المقالين الأخيرين بذات العنوان بعض النماذج لدور المملكة الرئيس في حل النزاعات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وأذكر هنا بمثال لم يتم الإشارة إليه في المقالين وهو: حين بدأ التوتر بين واشنطنوموسكو يتصاعد في عهد الرئيس الديمقراطي جو بايدن، إبان اجتياح القوات الروسية لأوكرانيا شتاء عام 2022، لم تكن هناك دول كثيرة قادرة على فتح قنوات اتصال فعالة لنزع فتيل صراع بدأت شرارتها قبل ما يزيد على عقد من الزمن، وبلغ حدّ تغيير الكرملين لعقيدته النووية غير أن المملكة بفضل علاقتها القوية بمختلف الأطراف، نجحت في تأمين مساحة للحوار أسفرت عن مبادرات، منها تبادل السجناء بين موسكو وكييف، وهو إنجاز يعكس مدى التوازن الدبلوماسي الذي حققته من خلال علاقاتها بالقوى العظمى ، ولم تكن هذه الوساطات مجرد تحركات بروتوكولية اعتيادية، فهي تعكس رؤية استراتيجية للقيادة ، التي تدرك أن الدور العالمي لم يعد يقتصر على النفوذ العسكري أو الاقتصادي فحسب، بل يشمل أيضًا القدرة على بناء الجسور وتقديم الحلول في عالم يزداد استقطابًا، مما يبرز المملكة كقوة ناعمة لها وزنها في الساحة الدولية ، ويقود قائدنا الملهم سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ، هذا التحول بمهارة واقتدار ، جامعًا بين الحنكة السياسية والواقعية البراغماتية، ليضع المملكة في موقع الفاعل لا المتفرج، ويصبح لاعبًا رئيسيًا في إعادة تشكيل النظام العالمي المتغير ، خاصة أن المملكة بجانب قوتها الاقتصادية المدفوعة باحتياطات النفط الهائلة، فهي قوة دبلوماسية قادرة على صناعة السلام في هذا العالم المضطرب وإن كانت السعودية قد نجحت مرات عديدة في لعب دور الوسيط الناجح في قضايا إقليمية ملحّة مثل اتفاق الطائف الذي وضع حدًا للحرب الأهلية في لبنان عام 1989، واتفاق السلام الذي أنهى القطيعة بين إثيوبيا وإريتريا عام 2018، وتوقيع اتفاق المصالحة بين إريتريا وجيبوتي في العام نفسه، إضافة إلى العديد من الاتفاقيات بين دول المنطقة، إلا أن ما يحدث الآن يمثل سطراً جديداً في مسيرة الوساطة في القضايا الدولية الكبرى، خاصة أن المملكة لم تطلب هذه الوساطة، بل جاء نتيجة لطلب من الرئيس الأمريكي شخصيا وبشكل علني ومباشر ، ووجد قبولا وموافقة فورية من جانب روسيا الاتحادية ، وهو ما يعكس حجم الثقة العالمية في قيادتنا الحكيمة ودور المملكة الحيادي الراشد في كافة المحافل الدولية ، وفي ظل علاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف، ودورها الريادي في تعزيز الأمن والسلام العالمي، وترسيخ الحوار بوصفه الوسيلة الأنجح لحل النزاعات وتقريب وجهات النظر، وتعزيز الشراكات مع المنظمات الدولية في مختلف الميادين ، وقد أثبتت المملكة للعالم أجمع أنها تسعى لتحقيق السلام والأمن والاستقرار والازدهار العالمي من خلال نقل محيطها الإقليمي من مرحلة النزاع والفوضى إلى مرحلة الاستقرار والسلام والازدهار والتقدم، للوصول به إلى مصاف الدول المتقدمة بكل حرفية ومهنية في ظل استراتيجية سياسية عقلانية متزنة بعيداً عن تقييمها كنهج للتحدي أو التحيز السياسي ستظل بلادي عظيمة دوما وفي مقدمة دول العالم المتقدم ، وسنظل نردد وبكل فخر كلمات الملهم : نحن لانحلم، نحن نفكر في واقع يتحقق.