طغى موضوع العلاقات السعودية - الليبية على اعمال القمة العربية الواحدة والعشرين التي اختتمت امس في الدوحة. والتقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الزعيم الليبي معمر القذافي في حضور امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، قبل صدور «اعلان الدوحة» الذي شدد على حل الخلافات العربية بالحوار ودعا الى تغليب المصالح القومية العربية، واكد دعمه السودان في خلافه مع المحكمة الجنائية الدولية، وتأييده السلطة الوطنية الفلسطينية ودعوته الفصائل الفلسطينية الى تحقيق الوحدة الوطنية. كما أكد ان مبادرة السلام العربية لا تزال قائمة مطالبا اسرائيل بتنفيذ التزاماتها بموجب المرجعيات الدولية لعملية السلام. وعزز اللقاء بين الملك عبدالله والقذافي الاعتقاد بأن قطار المصالحة الذي انطلق من قمة الكويت سيستكمل محطاته تباعا على رغم استمرار الخلاف المصري - القطري. وقال مصدر مشارك في القمة ان النقاشات حول ابرز المواضيع المطروحة تمت في مناخ المصالحة والبحث عن لغة مشتركة في مواضيع مبادرة السلام العربية والمصالحة الفلسطينية والسودان. ولوحظ ان غياب ايران عن المشاركة في القمة ساهم في تقليص الاشارات الى دورها في الكلمات العلنية. وعقد اللقاء بين الملك عبدالله والقذافي في قصر امير قطر المعروف ب «قصر البحر» وحضره رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ووزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل ومن الجانب الليبي مدير المحفظة الافريقية بشير صالح. وكان النهار السعودي - الليبي في قمة الدوحة بدأ بمفاجأة اقدم عليها القذافي حين تحدث من خارج جدول المتحدثين واستهل كلامه بعبارات تستعيد بداية القطيعة مع الرياض قبل ست سنوات، قبل ان يخاطب الملك عبد الله بن عبد العزيز، قائلا: «احتراماً للامة اعتبر المشكل الشخصي الذي بيني وبينك قد انتهى وانا مستعد لزيارتك وانك انت تزورني». واثار «اسلوب» القذافي واستعادته عبارات من الماضي، قلق امير قطر الذي قاطعه تزامنا مع اطفاء الميكرفون الموضوع امام القذافي. كما اثارت مداخلته التباسات لدى اعضاء الوفود واستدعت مشاورات مكثفة داخل القاعة بين الوفدين السعودي والقطري وفود عربية اخرى، خصوصا ان الزعيم الليبي غادر القاعة بعد كلامه المقتضب الذي لم يسمع بوضوح داخل القاعة وعلى شاشات الفضائيات. وعلمت «الحياة» ان القذافي اصر قبل افتتاح القمة على القاء كلمة في الجلسة الافتتاحية وان اطرافا عدة بينها قطر وسورية بذلت جهوداً لاقناعه بصرف النظر عن القائه كلمة علنية واعتقدت انه وافق. لكن القذافي أصر في جلسة الافتتاح على دمغ اعمال القمة بواحدة من مفاجآته. وقال مصدر مطلع ان الجانب السعودي تصرف في الدوحة انطلاقا من قرار باستكمال المصالحات العربية وطي خلافات الماضي وقطع الطريق على اي محاولة لاعادة مرحلة الخلافات. وضاعف من الالتباسات المتعلقة بكلام القذافي ان «الوكالة الليبية للانباء» نقلته وبصياغة اعتبرت «غير تصالحية». واستدعى الامر تدخل الجانبين السوري والقطري للحيلولة دون حصول ما يعمق الخلافات ويهدد قمة الدوحة، وتسهيل العودة الى اعمال القمة بجلسة مغلقة عقدت مساء. وقال مسؤول سوري ان دمشق مع «بذل كل جهد يخدم المصالحة والتضامن». ومنذ بداية الجلسة الافتتاحية، سيطرت على اعمال القمة واللقاءات الثنائية التي عقدت على هامشها وخطابات القادة ثلاثة مواضيع هي: المصالحات العربية والفلسطينية ومبادرة السلام العربية ودعم السودان ورئيسه عمر حسن البشير الذي كان يتوقع ان يستأثر بالاضواء لولا مفاجآة القذافي. وافتتح الرئيس بشار الاسد اعمال القمة بكلمة تناولت الاوضاع بين قمتي دمشقوالدوحة. اذ حدد ثلاثة مبادئ اساسية لتعزيز العلاقات العربية وتجنب حصول «مطبات» فيها، بينها ضرورة اقتراح المبادرات العربية قبل فترة من انعقاد القمة العربية لتتاح الفرصة ل»التشاور» في شأنها. وقال: «من الطبيعي أن تكون المصالحات هي الموضوع الأهم في هذه المرحلة بوصفها الأرضية التي يبنى عليها النجاح أو الفشل لأي قرار نتخذه في جميع المجالات. ففي ظل غياب التضامن أو ضعفه يبقى أي اتفاق أو قرار مجرد وهم غير قابل للتنفيذ». واضاف في خطابه القاه قبل انتقال رئاسة القمة الى قطر انه ليس لدى العرب «شريك حقيقي للسلام» في اسرائيل، مؤكدا ان «رغبتنا في السلام هي الدافع لدعم المقاومة». ودعا الاسد الذي التقى البشير لاحقا، الى دعم السودان ورئيسه، قائلا: «ما يسمى اليوم بالشرعية الدولية لم يكن ولا يجوز أن يكون أعلى من الشرعية الوطنية لأي بلد يحترم نفسه ويحمي استقلاله مهما كبر الثمن». ودعا امير قطر لدى تسلمه رئاسة القمة، الى قراءة ابعاد الازمة المالية العالمية والتطورات المستجدة في الشرق الاوسط ووجود «رئاسة اميركية ليست جديدة فقط، لكنها ايضا مختلفة». وشدد على ضرورة الوصول على الاقل الى «الية لادارة الخلافات». واشاد الشيخ حمد بمشاركة خادم الحرمين في قمة العشرين الاقتصادية في لندن، وقال: «لا اغالي اذ اقول اننا نشعر بانه يمثلنا جميعا في هذه القمة التي نتمنى له التوفيق والنجاح فيها». وجاء في كلمة الرئيس حسني مبارك التي القاها رئيس الوفد المصري مفيد شهاب ان «المصالحة لابد ان تتأسس على المصارحة والوضوح. فلا مجال للمواربة اول لاخفاء الحقائق او انكارها او تجاهلها. المكاشفة هي الطريق لتجاوز الخلافات. اما المصالحات التي لاتقوم على هذا الاساس، ستظل ذات طابع شكلي هش، وهو ما لانرضاه او ترضاها شعوبنا». وفي اشارة الى الحملة الاعلامية التي تعرضت لها مصر، قال انه «من المهم ان يكون الاعلام العربي حكوميا كان ام غير حكومي، على مستوى المسؤولية وان يلتزم في مادته الاعلامية بالحقائق وينأى عن تأجيج الخلافات بين الشعوب والدول العربية». وزاد :»لانسمح بتدخلات اطراف غير عربية تغذي الخلاف وتكرس الانقسام». من جهته، طلب الرئيس محمود عباس دعما عربيا لتشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على التعامل مع محيطها العربي والدولي وتلتزم التزامات منظمة التحرير الفلسطينية لتكون قادرة على تنفيذ مهمات اعادة الاعمار والاحتكام الى الشعب واجراء انتخابات تشريعية ورئاسية. ولفت قول العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني ان «استمرار التدخل الخارجي في الشؤون الفلسطينية هو السبب الرئيسي لاستمرار الانقسام الفلسطيني (...) ولذلك ندعو الى التصدي بقوة للتدخل الخارجي في الشؤون الفلسطينية وتقديم الدعم لجهود مصر لتثبت وقف النار (في قطاع غزة) وتحقيق المصالح». ولوحظت في القرارات الختامية للقمة لهجة متشددة في قرار يخص «احتلال ايران الجزر الاماراتية الثلاث التابعة للامارات في الخليج العربي»، اذ تضمنت «التأكيد المطلق» لسيادة الامارات على الجزر و»ادانة» خطوات ايرانية فيها و»دعوة الحكومة الايرانية لانهاء الاحتلال والكف عن سياسة الامر الواقع» وان «تترجم اقوالها بالرغبة في تحسين العلاقات مع الدول العربية، الى خطوات عملية». وبالنسبة الى القرار المتعلق بمبادرة السلام العربية، لوحظ انه يتضمن تأكيد «التمسك بمبادرة السلام كخيار استراتيجي عربي لتحقيق السلام العادل والشامل» وان استمرار الجانب العربي في طرح المبادرة «مرتبط ببدء اسرائيل تنفيذ التزاماتها في المرجعيات الاساسية لتحقيق السلام طالما استمرت في رفضها المبادرة»، اضافة الى تكليف اللجنة الوزارية العربية الاستمرار في مراجعة «خطة التحرك» في ضوء المستجدات الاقليمية والتحديات خصوصا بعد العدوان الاسرائيلي على غزة. وتضمن القرار الخاص بالقضية الفلسطينية «احترام الشرعية الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس وتثمين جهوده مع كافة الاطراف الفلسطينية والعربية في مجال المصالحة الوطنية وانجاح الحوار واحترام المؤسسات الشرعية الفلسطيينة المبثقة من منظمة التحرير بما في ذلك المجلس التشريعي» و»تأكيد ان المصالحة تشكل الضمانة الحقيقية في سبيل الحفاظ على الاراضي الفلسطينية». وتضمن القرار الخاص بلبنان «الترحيب» بقرار لبنان وسورية اقامة علاقات ديبلوماسية وفتح سفارتين ووضع العلاقات «على المسار الذي يخدم مصالح البلدين»، مع تكرار «الترحيب» باتفاق الدوحة والتنويه بدور الرئيس ميشال سليمان في «استكمال المصالحة» و»اخذ العلم» بانطلاق عمل المحكمة الدولية ذات الطابع الدولي. وصدر في ختام القمة «اعلان الدوحة» الذي شدد على «تسوية الخلافات العربية بالحوار الهادف والبناء ونعمل على تعزيز العلاقات العربية وتمتين عراها ووشائجها والحفاظ على المصالح القومية العليا للامة العربية»، مع «الاعراب عن الدعم الكامل للجهود العربية لانهاء حال الانقسام في الصف الوطني الفلسطيني وتعزيز الوحدة، ومطالبتنا جميع الفصائل التجاوب مع هذه الجهود بما يكفل تحقيق المصالحة الوطنية المنشودة ووحدة الاراضي الفلسطينية جغرافيا وسياسيا». وسجل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تحفظه على البند الخاص بالعراق لاعتقاده بأنه يتحدث عن «عراق الماضي»، علما ان الفقرة نصت على «دعمنا المسار السياسي الذي يرتكز على المشاركة الكاملة لمختلف مكونات الشعب العراقي وفقا للتصور الذي اقرته القمة العربية». وفي ما يتعلق بالجزر الاماراتية الثلاث، نص «اعلان الدوحة» على «الامل في ان تتجاوب الجمهورية الاسلامية الايرانية مع مبادرة دولة الامارات والمساعي العربية لايجاد حل لقضية الجزر من خلال المفاوضات الجادة والمباشرة او اللجوء الى محكمة العدل الدولية».