في ديسمبر من عام 1977، أرسلت جريدة الصندي التايمز أحد مراسليها، ديفيد هولدين، إلى القاهرة لتغطية محادثات السلام بين القاهرة والعدو الصهيوني. بعد يوم واحد من وصوله، عثرت السلطات على جثته مرميا وسط النفايات بجانب طريق المطار الذي وصله للتو وأثر طلقة واحدة قاتلة في قلبه. بعد وصول الخبر إلى الجريدة، جن جنون رئيس التحرير وأرسل فريقا من أفضل محرريه إلى الشرق الأوسط وتحديدا إلى القدس، وبيروت وعمّان، والقاهرة للإجابة عن هذا السؤال: من قتل ديفيد هولدن؟ في الوقت الذي كان الفريق يجمع معلوماته، اكتشفت الجريدة معلومة مروّعة وهي أن شخصا ما كان يسرق رسائل التيليكس (في عام 1978) التي يرسلها الفريق الصحفي المتواجد في الشرق الأوسط والتي تتضمّن معلومات حول المهمة التي ذهبوا من أجلها ومحطات السفر التي كان الفريق يخطط لها. هل الجهة التي قتلت هولدن لها عين ويد في الصحيفة؟ لم تستطع الشرطة البريطانية حل هذا اللغز في لندن، ولم يجد الفريق أي إجابة حول الجهة التي قتلت هولدن في القاهرة وبقيت قصة هذا الصحفي مجهولة. عاد الفريق الصحفي من جديد في 2020 ليعطي إجابات غير مؤكدة حول المصير الغامض لهذا الصحفي الذي يمتلئ بالأسرار بين عوالم KGB وCIA و MI6 وليست الموساد منه ببعيد. القصة الدراماتيكية لهذا الصحفي الذي ربما يكون قد قُتِل بسبب كونه جاسوسا مزدوجاً هي موضوع كتاب جديد ألّفه الصحفيان بيتر جيلمان وإيمانويل ميدولو اللذان اشتركا في هذا التحقيق الذي استمر أكثر من 47 سنة وكشفا عنه في 2025. العلاقة بين الصحافة والجاسوسية في الحرب الباردة قوية والسبب واضح وهو أن الصحافة غطاء مثالي يمكن استخدامها لأنها تتيح فرصاً كبيرة وحرية واسعة في التحرك داخل أروقة القرار وطرح الأسئلة والحصول على المعلومات بشكل مباشر. يقول بيتر جيلمان، وهو الصحفي الخبير في هذه القصة، أن الأمر كان مخيفاً عندما اكتشف أن التقارير التي كان يرسلها للصحيفة قد سُرِقت، وأنه من الصعب أن تعمل كصحافي في الوقت الذي تعرف أن من في الغرفة معك هم مجموعة من الجواسيس. ليس سرّا استخدام وكالة المخابرات الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية الصحافة والثقافة كغطاء إلى الدرجة التي تدعم فيها البرامج الثقافية مالياً وتموّل المجلات الثقافية. على سبيل المثال، تناقلت وكالات الأنباء قبل سنوات خبر علاقة الكاتب الأمريكي الأشهر ارنست هيمنجوي بالمخابرات الأمريكية، ورغم أن الخبر مجرد شبهات لكن الطريقة المأساوية التي مات فيها هذا الكاتب تثير المزيد من الشكوك. القائمة الأمريكية من الأدباء طويلة ومنهم الشاعر ريتشارد رايت، و الكاتب بيتر ماتيسن صاحب مجلة باريس ريفيو، وجيمس بالدوين وغيرهم ممن بقيت قصتهم غامضة وغير مؤكدة مثل قصة ديفيد هولدن الذي انتهت حياته في نفايات شارع مغبر في طريق المطار بالقاهرة.