تشبه جامعاتنا بعض صحفنا، فمن النادر أن تتميز جامعة أو صحيفة عن بقية الجامعات أو عن بقية الصحف. تبحث في طول البلاد وعرضها عن جامعة لها لون أو طعم أو قيمة علمية أو فكرية وثقافية تختلف عن الأخريات فلا تجد ما تسد به رمق السؤال أو تجفف به عرق الإجابة، فالتقليد والتقليدية برامج أكاديمية ودراسات مكررة تحفر أخدودا في قضايا تجاوزتها الأزمنة، وقفزت عليها الأمكنة. فتعيد اكتشاف المكتشف وتستنتج المستنتج. فلا إبداع ولا ابتكار يرتقي بكل جامعة ويرتبط باسمها وباهتمامها وإمكاناتها لتختلف تميزا عن سائر الجامعات من خلال دراساتها وبحوثها، وبالتفاعل مع مجتمعها وبيئتها وإنسانها. يقولون إن بين الخجل والخوف خطوتين، يتحتم أن يتقدم كل منهما خطوة واحدة باتجاه الآخر، ليذوب الجليد بين الضفتين. فهل هو خجل جامعاتنا أم هو خوف مشكلاتنا وقضايانا؟ من يستطيع أن يقدم خجلنا لخوفنا؟ من يستطيع أن يذيب الجليد بين ضفتينا؟ ويبتلع الخطوتين الواقفتين منذ بعض اليأس؟ هل صار لزاما علينا أن نقيم وزارة أو هيئة أو لجنة بين كل قضية ومؤسسة وبين كل مؤسسة ومؤسسة؟ هل بلغ بنا الجمود والتجمد حدا يتعذر معه أن نقدم مبادرة أو أن نخرج من عباءة الروتين وجلباب الرتابة؟ ما الذي كان يمنع جامعة من أن تخطو خارج أسوارها وتتناول ظاهرة اجتماعية أو بيئية بالبحث والدراسة اقتناعا وإيمانا بدورها وجزء من وظيفتها؟ وما الذي كان يمنع مشكلاتنا وقضايانا البيئية والطبيعية والاجتماعية من أن تتقدم خطوة في الاتجاه الصحيح وتبحث عن رؤية علمية في أروقة ومؤتمرات ودراسات الجامعة؟ هل كان ضروريا أن تتدخل وزارة التعليم العالي وتوجه الجامعات بضرورة الانخراط بمشكلات مجتمعها وبيئتها وقضايا الوطن لكي تستيقظ الجامعة إلى مسؤولياتها؟ أفهم أن لدينا مشكلة إدارية تعاني منها أغلب مؤسساتنا العامة وربما سلبية في ثقافتنا الاجتماعية، لكن الجامعات والمؤسسات العلمية تختلف عن كل المؤسسات ويجب أن تخرج من عباءة البيروقراطية والروتين والرتابة وكل الأمراض الإدارية والمالية التي كلست المؤسسات وجمدت الإبداع والابتكار والتفاعل. الجامعات مرجعيات محايدة أو هكذا يجب أن تكون، كي تتعامل وتعمل مستقلة عن بيروقراطية العمل الحكومي وبمنأى عنه بما يمليه عليها مرجعيتها العلمية. الجامعة صرح علمي وهذا ما يجب أن يحكم نظام الجامعة وكادرها البحثي والأكاديمي. ليس مطلوبا من كل الجامعات أن تتناول كل قضايا المجتمع والإنسان والبيئة، فكل جامعة يمكنها أن تبلور القضايا والاهتمامات الأقرب والأنسب لإمكاناتها البشرية والمادية، حتى عندما تتداخل في بعض الأحيان مع جامعات أخرى، تبقى قضيتها الأولى والثانية والثالثة محور اهتمامها تجري عليها الدراسات وتعقد لها المؤتمرات والندوات، وتتبنى لها البرامج وتطلق من خلالها المشروعات بل وتؤسس من خلالها استثماراتها وأوقافها وكراسيها العلمية. لا أفهم أن تتكدس الكراسي في جامعة واحدة أو اثنتين وتمر سنوات على تلك الكراسي والجامعات دون حراك يذكر ودون ابتكارات واختراعات ودون أن تقدم حلولا لمشكلات تمثل مخاطر حقيقية في المستقبل وللأجيال القادمة مثل مشكلات الطاقة والمياه والتصحر والصناعة والبيئة والمجتمع. لا أفهم سر عدم توزيع تلك الكراسي على الجامعات الأقدر على فهم معنى أن يناط بها موضوع أو قضية حيوية. لا أفهم أن تتكدس عشرات الكراسي في جامعة أو اثنتين دون تقديم سبب واحد يمنع توزيع تلك الكراسي على الجامعات حسب إمكانات تلك الجامعات واستعداداتها للانخراط بحثيا وعلميا في موضوعات الكراسي التي بين جنباتها. لدينا أكثر من 24 جامعة، ولدينا نفس العدد من القضايا والاهتمامات. ولأن التغيير لا يأتي إلا من جهة واحدة في مجتمعنا وثقافتنا، لماذا لا تفرض وزارة التعليم العالي أو جهة ذات صلة قضية أو اثنتين على كل جامعة لتصبح تلك القضية أو الاهتمام ملفا مفتوحا في تلك الجامعة تقدم سنويا الدراسات والأفكار والابتكارات والحلول والآفاق الممكنة مع متابعة المؤتمرات والعلمية في العالم والجامعات ومراكز الدراسات حول تلك القضية؟ إنها الجامعة التي يجب أن تكون مرجعية لقضايا مجتمعنا وبيئتنا وإنساننا وليس تويتر أو ديوانية الشعراء.