فكرة كراسي البحث رائدة والمفترض أن تكون لها مردودات إيجابية على القضايا التي تبحثها في مجالها.. بل يجب أن تنتهي كل الدراسات والبحوث التي تجريها تلك الكراسي إلى آليات عمل "لا تنظير" تعالج القضايا التي تدرسها.. بل جيتس يقول: "اعرف أرقامك know your Numbers نقول هذا الكلام حباً وخشية.. ظاهرة انتشار كراسي البحث ممتازة وهي تحمل أسماء مرموقة ولا بد أن تكون نتائجها على مستوى طموح من سميت بأسمائهم وعلى مستوى تطلعات تلك الأسماء وعدم إحباطها، البحث العلمي يلعب الدور الأكبر في التطوير وعلاج القضايا باختلاف أنواعها، والأمة التي تؤمن بالبحث العلمي أمة متقدمة متطورة وكراسي البحث أتت من هذا المنطلق.. المشكلة التي نخشى منها أن تكون نتائج بحوث ودراسات هذه الكراسي على نمط بحوث ودراسات أساتذة الجامعات المستخدمة للترقيات العلمية، التي هي في جلها تنظير وهي تكوّم الغبار الآن في الأدراج لا يستفاد منها بعدما حققت أهداف الترقيات لأساتذة الجامعات الأجّلاء، أخشى أن تسيطر هذه الثقافة وتمتد إلى هذه الكراسي.. عندما تنطبق منهجية البحث العلمي بالكامل على أي بحث لا يعني أنه سينتهي بآليات عمل يمكن تطبيقها على الواقع.. وانظروا إلى أبحاث الترقيات التي قبلت للترقيات ومدى مساهمتها في علاج الواقع.. ستصدمون، ولا نريد أن نُصدم في نتائج بحوث ودراسات كراسي البحث لأن هذه الأخيرة تختلف من حيث الهدف والدعم والقضايا التي تعالجها.. تستحق تجربة الجامعات السعودية في تأسيس الكراسي البحثية نظرة تقويمية بعد مرور سنوات على تأسيسها، لأن أهدافها المعلنة كبيرة، وأهمها تحقيق التميز في مجال البحث والتطوير واقتصاديات المعرفة، حتى تتبوأ المملكة المكانة العالمية التي تستحقها في الإبداع والابتكار، وقد استطاعت الجامعات تأسيس أكثر من 110 كراسي بحث في مختلف مجالات العلوم الصحية والعلمية والزراعية والهندسية والإنسانية، وحظيت هذه الكراسي بدعم من قبل خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمين وأصحاب السمو الأمراء بالإضافة إلى رجال الأعمال والشركات والمؤسسات. وفي رأيي أن شراكة المجتمع في بلوغ هذا الهدف من أهم مكتسبات التجربة، لأن إسهام رجال الأعمال والشركات الكبرى والميسورين من أبناء هذا الوطن في تبني الأبحاث العلمية في المجالات المختلفة يرسخ قيمة الانتماء إلى الوطن، ويجعلهم يعبرون عن ذلك بصورة إيجابية، ويحقق لهم تقدير المجتمع، واحترامه. كما أن مشاركة الباحثين من أعضاء هيئة التدريس والباحثين الشباب في إجراء البحوث مع الاستعانة بالخبراء من مختلف دول العالم تهيئ الفرصة لتواصل الأجيال، واستمرار البحوث واكتساب الخبرة، والتوق إلى الإبداع والتميز.. كل ذلك شيء جيد والأجود أن تلك الكراسي تبحث في مجالات مهمة وتنتج دراسات في الطب والعلوم والهندسة والعلوم الإنسانية باختلاف مجالاتها.. وقد ورد في أدبياتها أهداف سامية وفوائد كبيرة، حيث تقول تلك الأدبيات إن: "كراسي البحث هي مبادرات علمية متميزة ومؤطرة زمنياً (أربع سنوات قابلة للتجديد) يكلف بها علماء متميزون للقيام ببحوث معمقة وتطبيقية رائدة على نحو تستفيد منه القطاعات الاقتصادية والاجتماعية لتزيد من فاعليتها وقدرتها على المنافسة. وتعد كراسي البحث في الجامعات وسيلة مهمة من وسائل استكمال منظومات البحث العلمي في مجالات علمية مهمة والارتقاء بها وتحسين قدرتها على الابتكار ووضع مخرجاتها في خدمة المجتمع على نحو يزيد معه إيقاع التنمية الوطنية وترتقي من خلاله الإمكانات الوطنية ومكانة المجتمعات. كثيرة هي الدول التي عملت على إقامة كراسي البحث وشجعت مؤسساتها على الاستثمار فيها. فقد أنشأت كندا قرابة 2000 كرسي بحث خصصت لها 900 ميلون دولار، كما أقرت اليابان برنامجاً لكراسي البحث عام 1987، وفي الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي أقامت الحكومات برامج طموحة لكراسي البحث العلمي."اعتماداً على ما سبق وانطلاقاً من المراقبة الدقيقة للمشهد العالمي في البحث العلمي فإن كراسي البحث تأتي تحقيقا لرؤية خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – في تطوير التعليم العالي والبحث العلمي ولتفعيل دور الجامعة في تحقيق التنمية المستدامة من خلال تعزيز شراكة المجتمع مع الجامعة وتحقيق الاستثمار والاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمنشآت والتجهيزات في الجامعة ولاستقطاب نخبة متميزة من الباحثين على الصعيدين الوطني والعالمي.. وخلاصة القول فإن كراسي البحث إنجازات علمية يعتد بها وهي رافد كبير للتطوير ومعالجة القضايا والمشكلات التي يعاني منها المجتمع أو إضافات علمية في مختلف العلوم.. لكننا نخشى أن تطغى عليها ثقافة بحوث ودراسات الترقيات فتلحق كراسي البحث بها وتكوّم الغبار ولا تحرك ساكناً في القضايا التي تعالجها.. ونسأل في النهاية هل من نظرة تقويمية لهذا المشروع العملاق يتم من خلالها معرفة إيجابياته وتعزيزها وسلبياته ومعالجتها لتفادي الاستمرار دون معرفة مستوى أداء تلك الكراسي. نقلا عن الوطن السعودية