عند التخرج يودع الطبيب سنينه الجامعية ويقسم على أن يحافظ على حياة الإنسان ولكن للأسف الشديد عندما ينخرط في عالم المادة يتحول هدفه من المحافظة على حياة الإنسان إلى القضاء عليها. هذا ما نجده اليوم واضحا في مجتمعنا الطبي الذي ضاع فيه «الرقيب الذاتي» و«أخلاقيات المهنة» و«تحكيم الضمير» وغيرها من الأبجديات والمصطلحات التي درسناها وتعلمناها نظريا قبل الخروج إلى جامعة الحياة. ففي موجة الاتجاه العالمي والعولمة أصبح الربح الاقتصادي المحرض الأول بل الوحيد لتوفير هذه الخدمات وتسليعها مما أدى إلى سيطرة أخلاقيات اقتصاد السوق الحر. والمحزن أن هذه الموجة قد طالت معظم المهن الإنسانية في مقدمتها مهنة الطب وصحة البشر. في هذه الأيام في جدة تحت الإنشاء ثلاثة من أضخم المستشفيات الخاصة هدفها الربح. ولا شك أن من دعموا مثل هذه المستشفيات الجديدة متأكدون من جدوى اقتصادية في تقديم مثل هذه المنشآت العملاقة. لغة العصر تقضي بأن الطب أصبح بزنس لا غير. وخلف السعي وراء البزنس يتجلى الطب اليوم في أقبح صوره ليعلن للملأ أن عصر الإنسانية ولى إلى غير رجعة وأن لغة العصر تقتضي قيما ودوافع أخرى ومن ثم توظيف أرخص المهنيين والأخصائيين والأطباء لضمان الربح الوافر. نتيجة هذا الاتجاه هي أخطاء طبية فادحة نهايتها القضاء على حياة المريض. نسي الطب والطبيب أن من أهم فقرات قسم أبو قراط يقول: أنا الطبيب أقسم بأنني إذا لم أتمكن من تقديم الفائدة لمريضي بأن أبذل قصارى جهدي في عدم المساس به ضررا. هكذا كان مبدأ ممارسة مهنة الطب. ذهب هذا المبدأ في عالم المادة وذهبت معه أرواح المرضى. السؤال هو ما معنى أخطاء الأطباء وأين لوائحها وأنظمتها وما أهميتها في عصرنا هذا وما مقدارها بين دول العالم المتحضر مقارنة بدول العالم الثالث. متى يعاقب الطبيب في حالة تضرر مريضه. هل هناك ضرورة لإنشاء المجلس الأعلى للأطباء. بهذه قد ألفت انتباه القراء والمسؤولين تجاه هذا الموضوع وهو من أهم مواضيع عصرنا المادي. وهنا أود بهذا أن أبتدر حوارا حول موضوع مسؤولية الطبيب لممارسة مهنته، لعلي ألقي بالحجر في بركة ما كان يجب أن تظل ساكنة في عصر ارتفع فيه الوعي الاجتماعي بالممارسة الطبية والأخطاء التي قد تنجم من التشخيص الخاطئ والمعالجة الطبية جراحية كانت أم دوائية أم تخديرية أو غيرها. وقد ارتفعت تكاليف المعالجة والتشخيص في المؤسسات العلاجية وربما تصل الى أرقام فلكية. ولعل أقدم وأشهر القوانين التي حددت المسؤولية الطبية هي قوانين نظمت تسجيلهم وأجورهم والعقوبات التي تنالهم في حال وقوعهم في أخطاء ينتج عنها تضرر مرضاهم وذلك في ما يتعلق بقيمة ونوعية التعويضات المدفوعة لجبر الضرر. ولما جاء الإسلام أمر الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) المسلمين بالبحث عن العلاج لمرضاهم. وكان يوصي أصحابه بالتطبب عند الحارث بن كلدة الثقفي. لقد حدد الرسول (صلى الله عليه وسلم) مسؤولية الطبيب في الحديث الشريف (من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن) فقد قرر الحديث الشريف مسؤولية الطبيب في مدى علمه بالطب، فإن لم يكن يعلم طبا فهو المسؤول عن أخطائه وعليه الجبر والتعويض وعلى هذا الحديث اتفق الأئمة الأربعة على وضع مسؤولية التقصير على الطبيب في ممارسة مهنته .