دعا رئيس الاتحاد العالمي للجمعيات الدكتور علي احمد مشعل الجامعات وكليات الطب في العالم وضع منهج التعليم الطلاب والطالبات أخلاقيات الطب خاصة الجامعات الاوروبية والامريكية والجامعات في دول شرق وجنوب اسيا حيث ان الطالب والطالبة يدرسون جزء يسير للتعرف بالاخلاقيات الطبية في حدود 40 صفحة وفي السنة الاخيرة وهو غير فعال لانه لا يمس التركيب النفسي والخلقي للطبيب وقال رئيس الاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الاسلامية في حوار ل (البلاد) ان قسم اخلاقيات المهنة بكليات الطب لا يقدم المأمول منه وكثير من الاطباء والممارسين لمهنة الطب يقعون في الاخطاء الاخلاقية ولا يوجد لديهم الوازع التربوي الذي يمنحهم من ذلك مشيراً الى انهم تعلمو الطب كمهنة. وطالب الدكتور علي مشعل بالمزاوجة بين الاخلاقيات الطبية والتربية والتعليم الطبي من أول يوم لدراسة الطب. إلى تفاصيل الحوار *اهتمامكم مبكر وكبير بأخلاقيات المهنة الطبية، فهل توجد قوانين طبية عالمية، لصيانة حقوق المرضى من العبث اللاإنساني؟ - وضعت مجموعة القوانين الأخلاقية العالمية للأبحاث العلمية والإجراءات الطبية على الإنسان، وأبرزها قانون (نورنبرغ) في سنة 1947م، رداً على التجارب والممارسات النازية الإجرامية على البشر خلال الحرب العالمية الثانية، واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي عام 1964م أصدرت الجمعية الطبية العالمية إعلان (هلسنكي) لحماية حقوق المرضى، وتم تعديله وتطويره خمس مرات، كان آخرها عام 2000م. *هل نجحت تلك القوانين في الحد من الانتهاكات الطبية الغربية؟ - للأسف لم تنجح مجموعة قوانين "نورنبوغ" و"هلسنكي" بإيقاف الأبحاث اللاأخلاقية على الأشخاص الضعفاء في المجتمع، حيث أظهر البحث عن علاجات جديدة باستخدام التجارب على الإنسان وأثبتت انتهاكات إنسانية بالغة، وعدم احترام لحياة الإنسان،خاصة في الحرب العالمية الثانية عام (1939-1945م)،وذلك في التجارب الطبية اللاإنسانية عند النازيين على السجناء، و بالرغم من التفاصيل المرعبة التي ظهرت في محاكمات (نورمنبرغ) حول التجارب الطبية النازية، إلا أن التجارب الطبية اللاأخلاقية دون إعلام الأفراد أو دون الحصول على موافقتهم قد استمرت بعد الحرب، ففي الخمسينات من القرن العشرين تم استعمال دواء (L.S.D) وغيره من الأدوية في التجارب لاكتشاف الأدوية التي تضبط السلوك الإنساني، وفي الفترة بين 1940م -1960م قامت وكالة الطاقة الذرية الأمريكية بإجراء تجارب على أشخاص غير مدركين لهذه التجارب، بما فيهم أطفال، لدراسة تأثير إشعاعات الأسلحة الذرية، و خلال الفترة 1954م- 1956م تم حقن مرضى مسنين بخلايا سرطانية مباشرة في الوريد لمعرفة تطورها، وذلك في (مستشفى الأمراض المزمنة اليهودي في بروكلين)، وفي أوائل الخمسينات و في نفس الولاية أيضاً، تم حقن النساء الحوامل بمادة الحديد المشع لدراسة الدورة الدموية في الجنين، هذه هي أخلاقيات الطب في الغرب وعلى خلافها يأتي التميز الأخلاقي في تراثنا الطبي الإسلامي. *حدثنا عن الأخلاقيات الطبية الإسلامية؟ - التميز الأخلاقي في تراثنا الطبي الإسلامي، يحظى بمميزات أخلاقية شاملة جعلت منه منهجاً ونظاماً طبياً أخلاقياً، يعتمد في أسسه على نظام حياة متكامل ضمن القواعد المتكاملة للشريعة الإسلامية، فالأخلاقيات لا تنفصل عن القواعد الشرعية، ما نسميه حالياً (أخلاقيات المهنة الطبية الإسلامية) هي نفس القواعد الأخلاقية المبنية على قواعد الشريعة للناس بشكل عام، باستعمال تعبيرات طبية ومن خلال تطبيقات طبية،وهذه الأخلاقيات هي تطبيق للقواعد الشرعية في ممارسة الأطباء،ذوي المهن الطبية الأخرى، فهي تهتم بالشمولية للإنسان في جسده ونفسه ومجتمعه،وتتميز بالحرص على مصلحة المريض والمجتمع،وعدم إحداث الأذى،وتجنب الهدر والإسراف،وتتسم بالعدالة دون تعصب أو تمييز، ولا تخضع للأهواء أو سيطرة المال،تقدم الرحمة وتكرم الإنسان،وتعتبر العمل الطبي عبادة يتقرب بها الطبيب إلى الله. *من خلال دراساتك ما أبرز ما يتسم به التراث الطبي الإسلامي؟ تعلمت من خلال دراستي في التراث العلمي والطبي الإسلامي،أن نتفتح على المنجزات النافعة من الحضارات الأخرى،مع الاحتفاظ والالتزام بالمعايير والأخلاقيات التي وضعت أسسها الشريعة الإسلامية،وهذا الإنفتاح على علوم الأمم الأخرى من أحد مميزات الحضارة الإسلامية،ومما يذكر أنه حينما كانت تسير بعض الحروب بين المسلمين والروم وغيرهم كانت من ضمن بنود الصلح أن تفتح المكتبات للمترجمين المسلمين،ليذهبوا ويترجموا كل ما يجدوه من الكتب والعلوم النافعة،ويطبقون عليها بروح الإسلام. *ما هو الأساس الذي قامت عليه الأخلاقيات الطبية الإسلامية؟ - انطلاقها يأتي من مقاصد الشريعة الخمس، (والتي يمكن النظر إليها باعتبارها مقاصد الطب الخمس): - حفظ الدين - حفظ النفس - حفظ النسل - حفظ العقل - حفظ المال. *هل هناك أمثلة لمثل هذه الأخلاقيات؟ - لدينا مثلاً موضوع كمسألة موافقة المريض أو وليه على الإجراءات الطبية، نجد أن هناك ثروة تراثية حول هذا الموضوع، فعلى سبيل المثال نجد عند فقهاء الحنابلة من يقول: (ولا يضمن حجَّام وختَّان وبيطار، خاصاً كان أو مشتركاً، إن كان حاذقاً ولم تجنٍ يده، وأذِن فيه مكلف أو وليه، لأنه فعل فعلاً مباحاً)، (الضمان = المسؤولية) أي لابد من موافقة المريض على الإجراء الطبي، فالشريعة الإسلامية، سبقت التشريعات الوضعية الحديثة في إرساء قواعد المسؤولية الطبية، بما يكفل حماية حقوق المريض، وسلامة الإجراءات الطبية المقدمة له، ويقولون أيضاً :(وإذا فصد الفصَّاد وبزغ البزَّاغ، ولم يتجاوز الموضع المعتاد، فلا ضمان عليه فيما عطب من ذلك. فإن تجاوز الموضع المعتاد: ضَمِنَ. وهذا إذا كان بإذن. أما إذا كان بغير إذنه فهو ضامن، سواء تجاوز الموضع المعتاد أم لم يتجاوز). وفي رأي المذهب الحنفي مثل ذلك:حيث يقول الأحناف: (وهذا إن كان بإذن، أما إذا كان بغير إذن فهو ضامن) والأصل في الفقه الحنفي: ربط الضمان (المسؤولية) في فعل الطبيب بالإذن، وقد اشترط أئمة الفقه الإسلامي بشكل عام الإذن الطبي في المعالجة،ولم يغفل الفقه الإسلامي موضوع الحصول على إذن المريض في التعامل مع الحالات الطارئة المهددة للحياة، حتى مع ناقصي الأهلية. *هل هناك جامعات تدرس الأخلاق الطبية لطلابها؟ - الجامعات الأوروبية لا تدرسه، وأغلب الجامعات في البلاد الإسلامية لا تطرق إليه من قريب ولا من بعيد، ولكن بعضها صار يدرس (قرص) بسيط للتعريف بالأخلاقيات الطبية الإسلامية في السنة الأخيرة في نطاق 40 صفحة،ولكنه غير فعال ولا قيمة له، لأنه لا يمس التركيب النفسي أو الخلقي للطبيب، ومن ثم لا يؤثر فيه أو يوجهه. * القسم الموجود بكليات الطب ألا يدعو لاحترام المهنة، وتجنب تلك المخالفات؟ - هذا القسم شيء لفظي ولا يوجه بشيء، وكثير من الأطباء والممارسين للمهنة يقعون في الأخطاء الأخلاقية، ولا يوجد لديهم الوازع التربوي الذي يمنعهم من ذلك،فهم تعلموا الطب كمهنة،ويتعاملون مع المرضى كمن يتعامل مع آلة يصلحها. *لماذا لم تتبنوا الدعوة لدراسة وتطبيق الأخلاقيات الطبية في الجامعات؟ - نسعى لذلك ونتبناه ونقوم فيه بجهد كبير حتى أن جامعة الأردن طلبت منا برنامجاً في ذلك الشأن فوضعناه لهم،ولكنهم لم ينفذوه ويرجئونه يوماً بعد يوم، ونحن نحلم بالمزاوجة بين الأخلاقيات الطبية والتربية وبين التعليم الطبي من أول يوم لدراسي الطب. *تحدثت عن اهتمام الحضارة الإسلامية والتراث الطبي الإسلامي في صيانة حقوق المريض،فهل ترى هذه الحقائق تخدم الدعوة للإسلام خصوصاً عند الغرب؟ - هذا جانب من الجوانب التي تخدم الإسلام،حيث تظهر عظمته كدين فيما كفله من حقوق الإنسان ورعاية المريض وسمات الطبيب المسلم. * ماذا عن موقفكم من القضايا الطبية الشائكة التي يعترض عليها الشرع؟ - مثل هذه القضايا من أبرز ما يهتم بها الإتحاد، ولنا جلسات عديدة مع المؤسسات الطبية والمؤسسات الدينية،للوقوف على قاسم مشترك، وتحديد الرؤية النهائية لهذه القضايا،التي كان أبرزها موضوع الموت الدماغي لعلاقته بزرع الأعضاء. * وضح لنا أبعاد مشكلة الموت الدماغي؟ - حينما يموت المريض، لا يستطيع الأطباء أن ينقلوا منه أعضاءه، فيبحثون عن طريقة يعرفون من خلالها أنه ميت، فتكلموا عن موضوع موت جزع الدماغ فوجدوا أن جزع الدماغ لو مات اعتبر الإنسان ميتاً حتى ولو كان قلبه ينبض، ولو وصل لهذا المستوى وأخبر أهله به، أمكنهم رفع أجهزة التنفس عنه، لأنه يعتبر ميت قانوناً، ولكن لكون قلبه ينبض، يكون القلب والكلى في حالة جيدة، مما يتيح أن تُنقل بعض الأعضاء من المريض ونقلها لمريض آخر. وعلماء الفقه،ذكروا أن هذا الموضوع لدى الأطباء وليس لدى العلماء فلو أنفق الأطباء بما ليس فيه مجال للشك أن هذا الموضوع العلمي أصبح متفق عليه فهناك موافقة من العلماء، وفي مصر قال الأطباء أن موت الدماغ لا يعني موت الإنسان كليةً، فلم يقر المشايخ بالموافقة ومن ثم تأخرت أو ماتت زراعة الأعضاء بمصر. *زرتم بلاداً عديدة وطرحتم فيها حديثكم عن الأخلاقيات الطبية الإسلامية فكيف وجدت انطباع الحضور خصوصاً في الدول الغربية؟ - عرضت ذلك في مجمعات طبية كثيرة في دول غربية، وبحضور الإعلاميين المهتمين بالنواحي الأخلاقية، ورجال دين مسيحيين ويهود،فكانت النظرة إيجابية لأنني أخاطب العقل،كما كان هناك شيء من الاستغراب أن يوجد مثل هذا الرقي في الإسلام وتساءلوا: هل هذا موجود في الدين الإسلامي،وهذا لاشك من تغييبهم عن حقيقة الإسلام، فكانت ثقتي كبيرة لأن حديثي مدعوم بالمراجع والتراث،وكانت هذه المحاضرات من قبيل الدعوة للإسلام والتعريف ببعض حقائقه التي شوش عليها العداء والتشويه المتعمد. * حديثكم قد لا يروق للبعض من الغربيين فهل وجدتم بعض المعارضة في طرحكم؟ - كان هناك طبيب من (أذربيجان) وهو عضو في الإتحاد، قام بنشر مقال في مجلة (المجلة الطبية العالمية) تناول فيه الأخلاقيات الطبية في الإسلام، ونشر المقال وبدأ رئيس التحرير يتلقى الردود، وكان منها رد لطبيبة جامعية أمريكية يهودية، أخذت تجّرح المقال وتستنكر أن تنشر المجلة أبحاثاً ومقالات من هذا النوع، وخرجت عن النطاق العلمي، وقالت ما هذا الإسلام الذي يبيح الجلد وقطع الأيدي، وتعدد الزوجات، وقام أتباعه بأحداث سبتمبر، واتصل رئيس التحرير بالطبيب وأخبره أنه سينشر ردها في المجلة، وله حق الرد عليها، لينشر المقالين معاً، واتصل بي لأكتب له في الموضوع، فبدأت أكتب مقالي وأقمته على محورين الأول: الموقف الإسلامي الحقيقي من الأخلاقيات الطبية، وتكريم الإسلام للإنسان، أما الفقرة الثانية فكانت عن المنطق العلمي وغير الأخلاقي الذي تتبعه الطبيبة في نقدها، فلو أرادت أن تتحدث عن تعدد الزوجات كتبنا لها الرد العلمي على تعدد الزوجات، ولو أرادت الحديث عن الجلد تحدثنا بالعلم عن دوره في حماية المجتمع، وأشرت للقراء بضرورة الوحدة الموضوعية في الحديث العلمي، وعدم خلط العلم بأشياء ليست منه، وجاء تجاوزها حينما وصفت المسلمين بأنهم برابرة، وعاتبت رئيس التحرير قائلة كيف له كيف تنشر تاريخ برابرة، ولكن ردي جاء بما يظهر سطحيتها العلمية، فهو رد علمي موثق راقي ومفيد، أما حديثها فلا مجال له في المجلة وهذا ما شعر به القراء الذين يحترمون العلم. *يقوم كثير من الأطباء الذين يعملون بالشرطة أو الجيش بعمليات التعذيب للمسجونين أو الأسرى، في بعض الدول، فهل تمت الدعوة للحد منها لكونها منافية لأخلاق المهنة؟ ** الجمعية الطبية العالمية هي التي وضعت الأسس الأخلاقية للأطباء، وبعدها جاء (إعلان طوكيو) لمنع التعذيب الذي يمارسه هؤلاء الأطباء على مثل هذه الشرائح، التي وجهها الإعلان بالتبليغ عن أي تجاوز يحدث للجهات الإنسانية والعالمية والقضائية، ومما يذكر أن هذه الجمعية فوجئت قبل عام باختيار طبيب إسرائيلي لرئاستها، وكان يشغل منصب رئيس (الجمعية الطبية الإسرائيلية)، ولكن كثيراً من الأعضاء كشفوا بالإثباتات تورط هذا الطبيب والجمعية الطبية الإسرائيلية، بالتعاون مع أجهزة القمع الإسرائيلية، لتعذيب السجناء، فقامت مجموعة من الأطباء الأوروبيين، وهم ليسوا عرباً ولا مسلمين، وأقاموا حملة كبيرة لطرد هذا الطبيب من رئاسة (الجمعية الطبية العالمية)، وقدمت عريضة وقع عليها مجلس الجمعية الطبية العالمية، وليومنا هذا لم يتلقوا أي رد، حتى تصاعدت المطالبة ليس بطرده فقط وإنما بطرد(الجمعية الطبية الإسرائيلية) من (الجمعية الطبية العالمية).