مع كل مناسبة جميلة أو عيد سعيد نلتفت كثيرا حول أقاربنا وأرحمانا وذوي الصلة والقربى والوشيجة لنلتقط أنفاس الحياة معهم برا وتقربا، ونضع عن كواهلنا عناء ومشقة اللهث الدنيوي الشاق، حين نقدم على تلك الخطوات الشرعية والاجتماعية الأخلاقية النبيلة فنمد حبل الود والوصل. يحضر الشيطان بوساوسه وأوهامه ليسعى إلى قطع تلك المبادرة الجميلة التي لا تتكرر في السنة إلا مرات قلائل، فيسعى إلى إحباطنا وبث العوائق والمخذلات التي تحول بيننا وبين الرغبة الجميلة. لماذا نذعن في أحيان كثيرة إلى السماح لتلك المحاولات الشيطانية أن تعكر الصفو وتجلب الشقاء لقلوبنا النقية. لقد أصبحت مع الأسف الشديد علاقاتنا الأسرية تتأرجح وتترنح جراء تلك العواصف، واستسلم الكثيرون لأي عاتية تعصف بالأسرة المترابطة. فلماذا سمحنا ببقاء تلك الفيروسات الوبائية التي تفتك بالأسر وتقضي عليها جيلا بعد جيل والتي يقع على رأسها حديث النميمة من البعض رجالا ونساء وكذلك تعليق ما أمر الله به بنفاذه وعلى رأس ذلك ما يتعلق بالتركات وقسمتها والوصايا والأوقاف ونفاذها والنظارة عليها. وامتلأت المحاكم بأعداد مهولة من القضايا الأسرية التي سببها تافه ويسير ومبعثها الأساسي عدم تنفيذ ما أمر الله به من قسمة التركات وإنجازها وعدم التأخر فيها. لقد أدركت من خلال عملي في مهنة المحاماة أن أي تباطؤ في هذا الأمر بالذات سوف يقود حتما إلى مزيد من الشحناء والعقوق والقطيعة. ومن هنا في نظري أن الأمر يستدعي حملة توعية عدلية جادة لبث الوعي لدى الناس بضرورة إنجاز قسمة التركات وعدم التلكؤ في ذلك أو التردد أو طرح العراقيل مثل هبوط الأسعار وغير ذلك. بل إن براءة ذمة الميت ونيل حقوق الورثة خصوصا من النساء اللاتي قد يماطل البعض في إعطائهن حقوقهن هو مفتاح رئيس لأي استقرار تنشده أسرة. إضافة إلى أعمال دور المصلح الكبير والحكم في الأسرة خصوصا عند طوارئ المشكلات والمعضلات فيصدر الجميع عن رأية ويأخذون بتوجيهه ويقبل حكمه، وبذلك يقضى على كثير من المشكلات التي تقع داخل محيط الأسرة الصغير . إن من أهم مقومات التميز في مجتمعنا هي روح الترابط التي ظلت سنين طوالا بفضل الله ثم بفضل الأخذ بالتعاليم الشرعية النبيلة. إنها صمام أمان لكثير من الأسر والبيوتات وروح الترابط لاشك أنه قد يصيبها شيء من الخلل طوال السنوات لكن حكمة ووعي الجميع يجب أن يقضي على أي رائحة فرقة أو شقاق بين أبناء الأسرة الواحدة. كما أشيد في ذات الوقت بمبادرات جادة قدمت نحو الشركات العائلية الكبرى وحمايتها من التفكك عن طريق الوعي القانوني والشرعي في ذلك. إن من المهم أن لا تكون المادة والأموال والمواريث وأقوال الوشاة طرقا سهلة للوقيعة وبث الفرقة والخلاف والشقاق بين أبناء الأسرة الواحدة. وعلينا دائما أن نتجاوز خلافاتنا وأن نجعل من مناسبات الأعياد فرصة لتنقية قلوبنا وصفائها من الخلل الذي قد يعتريها. وليس هناك أجمل ولا أنسب من مناسبة الأعياد لهذا النقاء والصفا الذي ننشده وندعوا إليه.