مثلت كلمة خادم الحرمين الشريفين للأمتين العربية والإسلامية رسالة أبوية كريمة يراد بها الخير للعالم في ظل أحداث وتحديات عربية وإسلامية مؤلمة وتضمنت الكثير من الدروس والعبر لعلماء هذه الأمة العربية والإسلامية وقادتها لكي يتحملوا مسؤولياتهم تجاه قضايا أمتهم المصيرية وأن يهتموا بشعوبهم ويدرأوا عن إخوانهم المسلمين الظلم والعدوان الذي يتعرضون له ونرى بداية أن دوافع هذه الرسالة في هذا التوقيت تعود إلى أن العالم العربي والإسلامي لم ينزلق إلى هذا المستوى من التفكك والانقسام مثلما هو اليوم ضمن منظمات منشقة مسلحة تساعد حكاما آخرين يقتلون مواطنيهم بدعوى أنهم مقاومون، والإخوان المسلمين يطالبون بالعودة للحكم بدعوى الحفاظ على الإسلام وتنظيمات أخرى عديدة مثل داعش والنصرة ومن خلفهم القاعدة وغيرها يبحثون عن الخلافة الإسلامية والاقتتال يمتد في ربوع الوطن العربي شرقه وغربه. هذا الإرهاب يرتكب جرائمه باسم الإسلام ويدمر التنوع العربي والإسلامي ويهجر المسيحيين من الموصل ويدمر الأضرحة مثل ضريح النبي «يونس»، ومن العار أن هؤلاء الإرهابيين يفعلون ذلك باسم الدين فيقتلون النفس التي حرم الله قتلها ويمثلون بها ويتباهون بنشرها ويشوهون صورة الإسلام بنقائه وصفاته وإنسانيته. كذلك ما ارتكب في حق مواطني قطاع غزة من مجازر دامية وجرائم حرب ضد الإنسانية دون وازع إنساني أو أخلاقي لم يستثن صغيرا ولا كبيرا في ظل سكوت المجتمع الدولي وكأن ما يحدث أمرا لا يعنيه غير مدركين أن ذلك سيؤدي إلى خروج جيل لا يؤمن بغير العنف رافضا السلام ومؤمنا بصراع الحضارات لا بحوارها. إن كلمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود جاءت للرد على من أساءوا تقدير موقف المملكة من العدوان الإسرائيلي على غزة وأخرس الألسنة الإخوانية التي لعبت على وتر الخلافات الخليجية لتروج الجرائم بغرض الإساءة إلى المملكة ودورها التاريخي منذ بداية القضية ومشاركتها بقواتها المسلحة في حرب فلسطين عام 1948 واستمرت مساندتها حتى الآن حيث استقبلت المملكة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأمير قطر الشيخ تميم بن حمدان آل ثاني والأمين العام للأمم المتحدة بأن كي مون لمناقشة الأزمة وآثرت المملكة عدم التدخل الدبلوماسي العلني دعما للجهود والمبادرة التي تقودها مصر في الوقت التي تحاول إفسادها دول عربية وإسلامية لمصالح شخصية ضد مصلحة القضية وهو سوء تقدير من تلك المنابر الإعلامية لموقفة المملكة الرسمي خاصة أن المملكة وكانت ومازالت منذ تأسيسها وهي تمثل القلب النابض لوحدة العالمين العربي والإسلامي نصيرة للحق وداحضة للإرهاب بمختلف أشكاله وصوره. المتخاذلون الذين خاطبهم الملك وفي ختام كلمته، وجه الملك عبدالله حديثه للذين يتخاذلون عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب وكأن حديثه يوضح لماذا صمتوا وهنا نؤكد أن صمتهم يعود لدواعي مصالح شخصية ومصالح آنية: فمن الداخل وإقليميا من يدعم الجماعات الإرهابية سرا وعلنا من متطلع إلى خلافة إسلامية ومنها تنظيم داعش في أجزاء من سورياوالعراق ويحاول أن يمتد حيث حاول الوصول إلى شمال الأردن من قبل وها هو في عرسال شرق لبنان، وأخرى تخطط لإقامتها في أجزاء من سيناء وكذلك في المغرب العربي وهو ما يحدث حاليا بدءا من ليبيا وتهديد داعش والنصرة بالهجوم على مصر من الأرض الليبية. ومنهم من يرغب في تقسيم وتفكيك العالم العربي حيث بدأت بالسودان وتحاول في اليمن ودول أخرى شبه مقسمة عمليا يجري تقنين ذلك دوليا ومحاولات عديدة مع باقي الدول العربية. ويعود الدور الكبير في هذه الأحداث إلى الدول الكبرى خاصة الغربية منها في تخاذلها ودعم جماعة الإخوان في عدة دول عربية لإحداث حالة الفوضى والانقسام والاقتتال ويتفق مع ذلك ما أطلق عليه تقسيم جديد للشرق الأوسط أو سايكس بيكو جديدة لتقسيم الوطن العربى إلى دويلات صغيرة وتبقى إسرائيل القوة الإقليمية الكبرى تحقيقا لأمنها وهيمنتها على المنطقة العربية.. والسؤال هو: من سهل لمنظمات إرهابية الهيمنة على مناطق شاسعة في دول مثل العراقوسوريا وتطلعاتها بإقامة إمارة إسلامية في أجزاء سيناء المصرية وغيرها. أما عن مشاركة المتخاذلين في تحمل المسؤولية فيما يحدث في المنطقة العربية فإن الدور يحدده هذا التصنيف. حكام وقيادات يتولون التنفيذ سواء لتطلعات شخصية أو تنفيذا لتوجيهات خارجية لتحقيق أهدافهم وبما يحقق مصالح هذه الدول الموجهة لهذه الأحداث من الخارج أى أن المسؤولية تقع على قيادات ومنظمات داخلية في هذه الدول ودول إقليمية وكبرى توجهها لهذا المستنقع. إن الدول الكبرى تقع عليها المسؤولية الكبرى في نسبة كبيرة مما يحدث في المنطقة العربية سواء بدعمها الجماعات الإرهابية في بعض دول المنطقة في إطار دعاوى حقوق الإنسان والحريات مما يزيد من الاحتقان في داخل هذه الدول أو عبر مساندتها إسرائيل في قيامها بإرهاب الدولة خاصة في أحداث غزة التي اندلعت في يوليو 2014 وأمدتها بالدعم السياسي والعسكري الذي تمثل في الإمداد بالذخيرة خلال العمليات ودعمها نظام القبة الحديدة ب225 مليون دولار لاستكمالها وتطويرها وغيرها من وسائل الدعم. الأممالمتحدة التي عجزت عن إصدار القرارات النافذة لوقف القتال وتتبنى وجهات نظر الدول الغربية لدعم إسرائيل بزعم حق الدفاع عن النفس متناسية الحصار المفروض على القطاع وغلق المعابر والمجازر التي ترتكب بحق الفلسطينيين إضافة إلى الاستيطان والأسر والتعذيب. وفي محاولة إعادة الأوضاع إلى جانب الصواب ينطلق ذلك من: - الحوار الوطني في الدول العربية لإعادة بناء مؤسسات هذه الدول بالتوافق بين كافة القوى السياسية وإعادة الحقوق المسلوبة من بعض هذه القوى. - وكذلك البعد عن التطرف والغلو وحماية شباب الأمة من الوقوع في براثن الإرهاب والعنف لتحقيق أهداف غامضة ومشوهة لتشويه صورة الإسلام. - إعادة البناء الذاتي، فغالبية الدول الغربية إما منهكة من الاقتتال الداخلي أو منشغلة في مواجهة العمليات الإرهابية على أراضيها. - تطوير جامعة الدول العربية وإعادة اللجنة العربية التي تعرضت في الفترة السابقة لخلافات طاحنة أدت إلى انقسام الدول العربية إزاء عدة قضايا مصيرية تؤدي إلى عدم فاعلية جامعة الدول العربية تجاه باقي التجمعات الإقيلمية الأخرى وأمام المجتمع الدولي. - توحيد كلمة الأمة الإسلامية والبعد عن محاولة الهيمنة على المجتمع الإسلامي وكان خادم الحرمين الشريفين قد دعا في القمة الإسلامية الاستثنائية التي عقدت في مكة المكرمة إلى تأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية للوصول إلى كلمة سواء يكون مقره مدينة الرياض. - مواجهة المجتمع الدولي بموقف موحد تجاه القضايا العربية والإسلامية مستفيدين من عناصر القوة التي يمتلكها المجتمع العربي والإسلامي سياسيا واقتصاديا وأمنيا من قدرات مؤثرة تعيد الحقوق العربية المسلوبة مثلما استثمرت تلك القدرات في مواقف مصيرية سابقة وأكد خام الحرمين الشريفين أن ذلك سيعيد للأمة العربية والإسلامية هيبتها ومكانتها وقوتها في مواجهة القوى الأخرى. وفيما يتعلق بسياسيات الدول الكبرى الخاطئة في المنطقة خاصة في إطار صمتها غير مكترثة بما يجرى فإن ذلك سينتج عنه: - إنتاج جيل جديد لا يؤمن بغير العنف رافضا السلام فتأييد الدول الكبرى الجماعات الإرهابية أو غض البصر عن أعمالهم بدعوى الحرية والحقوق المشروعة يدفع الأجيال الجديدة للعنف هذا بخلاف ما يتعرض له المواطنون الأبرياء المدنيين ومنهم النساء والأطفال وكبار السن مثلما حدث في مجازر غزة خاصة الأخيرة التي أدت إلى أكثر من 2000 شهيد وحوالي 10 آلاف مصاب سيولد العنف بين الشباب سواء في فلسطين أو غيرها من الدول تجاه هذه المجازر. - يضاف إلى ذلك تعريض مصالح هذه الدول للحظر الكبير ولعلنا شاهدنا ما يحدث من اعتراضات ومظاهرات في عدد من الدول العربية ضد سياسات الدول الكبرى المؤيدة للدول المعتدية وقد يصل الأمر إلى المقاطعة بأبعادها السياسية والاقتصادية ما يعرض مصالحها للخطر. - تفتيت دول المنطقة وإضعافها وهو ما سيحول دون عودة الاستقرار إليها، فمن السهل بدء الصراع والحرب بين هذه الدويلات كما أن تفتيت الدول العربية سيتسبب في خلق دويلات صغرى ستتصارع فيما بينها على موارد هذه الدول والمثل الواضح هنا العلاقة بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم الأكراد في أربيل بشأن تصدير النفط وخلافات السودان مع حكومة جنوب السودان حول تصدير نفط الجنوب وغيره الكثير. - وقوع أجزاء من المنطقة العربية في أيدى الإرهابيين والمتطرفين مثلما حدث خلال شهر يوليو 2014 من عرض عسكري لقوات داعش في العراق وتسليحهم بعربات مدرعة هامر وأسلحة مضادة للطائرات مما يشكل مناطق محظورة للطيران وتعطيل الملاحة الجوية المدنية وتعريضها للحظر وهو ما يهدد التنمية والتقدم بين دول المنطقة. إن التقاعس عن مواجهة هذه البؤر والتنظيمات الإرهابية يسهل لها التغول والتوسع ما يؤدى إلى صعوبة المواجهة في المستقبل والتدخل الأجنبي وهو ما حدث من التدخل الأمريكي في الثامن من أغسطس 2014 ضد داعش شمال العراق. إن التحالفات الجديدة في المنطقة التي تجري صياغتها في إطار الأحداث والمتغيرات التي تمر بها المنطقة في الوقت الحاضر ستزيد من التوترات وعودة الحرب الباردة مرة أخرى وربما ستعيد الحروب بالوكالة مرة أخرى مثل سوريا والمعارضة مما ينذر باستمرار الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وإبقائها في حالة من التوتر الدائم. وفي الختام نؤكد أن خادم الحرمين الشريفين وجه حديثه الهام إلى الجهات التالية: * الجماعات المتطرفة التي تصورت أنها اشتد عودها وقويت شوكتها في مواجهة سلطات الدول مؤكدا إساءتهم للإسلام ولن يغفر لها التاريخ مواقفها. * قادة وعلماء الأمة الإسلامية حيث طالبهم بضرورة أداء واجبهم تجاه الحق. * المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكنا أمام المجازر التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين وتناسى المجتمع الدولي حقوق الإنسان الفلسطيني في العيش في أمان وسلام محذرا من أن ذلك سيولد أجيالا لا تعرف إلا القوة والعنف. * تذكير المجتمع الدولي بتبني المملكة في مؤتمر الرياض للأمن قبل 10 سنوات إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب وأهمية تفعيله. * تحذير الأنظمة والدول من أن تجاهل ما يحدث في منطقتنا العربية من عمليات إرهابية ودعم تنظيماتها ستطولهم في المستقبل مثلما حدث في كافة الدول الكبرى دون استثناء منها الولاياتالمتحدةالأمريكية، روسيا، إنجلترا، فرنسا، وإسبانيا وغيرها من الدول. وذلك ما يستلزم التكاتف الدولي في مواجهة ما يهدد دول منطقة الشرق الأوسط وانتشار الإرهاب فيها معرضا السلم والأمن العالمي للخطر * مستشار مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية ورئيس قسم الأمن الإنساني في كلية العلوم الاستراتيجية بجامعة نايف للعلوم الأمنية