عقلية الإرهاب عقلية مستوحشة تبدأ بفهم مغلوط للمعارف، فتتراكم الأخطاء المعرفية التي تقود إلى الضياع المعرفي، ولأن الإنسان باحث عن الأمان الوجودي والنفسي تكون محصلة معارف الإرهابي باعثة على القلق الوجودي والاهتزاز النفسي، ما يخلق لديه حالة من الرفض لكل ماهو قائم، ولكي يحظى بقليل من التوازن ينشط لتغير واقعه بالفعل المستوحش الذي نشأ عليه كغذاء ثقافي، فالتربية التي نشأ عليها تربية أحادية الجانب ومتسلحة بقناعة أن الآخر يمثل العدو القاتل، فتغدو أفعال الإرهابي أفعالا رافضة لكل تشكلات الحياة، وكل فعل لهذه العقلية الإرهابية ينتج فعلا أقبح من سابقه؛ لأن اتحاد عناصر الخطأ يولد تركيبة من الأفعال لم تكن مسبوقة في هيئتها وأسلوبها. وأخطر فكرة يحملها الإرهابي هي فكرة الفناء، فالإرهابي يستهين بالحياة برمتها، وحين يغرس في داخل المرء فكرة أنه مشروع ميت يحقق أهداف وجوده بفنائه كوسيلة خلاص وحيدة عندها لا تعود الحياة ومن عليها سوى وجود، فإنه يجب التسريع بإحداث هذا الفناء، وإذا بلغ الإنسان هذه القناعة لا يستقيم في ذهنيته أي صواب ينقض قناعاته.. وتبدأ رحلة الفناء بإسقاط هيبة وجوده الذاتي حين لا يقيم لحياته وزنا، وهذا هو الناتج المبدئي للمعارف المغلوطة التي تسكن عقلية ذلك الإرهابي حين قرنت الخلاص بالفناء، ثم توالت التفاعلات منتجة فعلا أكثر قبحا من موت النفس (موت الإرهابي) في عملية انتحارية بأن لا يكون موته مجانيا، إذ لا بد أن يكون موته له نتائج في تقليل أعداد المغايرين لفكره، حتى إذا وصل لهذه المرحلة لم يعد قتل الآخر يشفي الجهل المركب الذي يعيش به، فيتولد فعل جديد أكثر بشاعة من أفعاله السابقة، وذلك بالتمثيل بضحاياه لإحداث الرعب في قلوب خصومه.. وفي كل تشكلاته تلك كان أداة لتنفيذ أغراض سياسية لدى الآخرين، وهؤلاء الآخرون تتشكل لديهم الوسائل لجذب هذه الطاقة التدميرية من أجل تحقيق أهدافها، وكلما تحقق هدف تم الانتقال إلى أهداف أخرى يكون الإرهابي هو الوسيلة المثلى لتثبيتها على أرض الواقع. ولو أردنا حصر الإرهاب في الحركات الإسلامية الرادكالية في العقود الأخيرة سنجد أن قوى دولية كانت لها أهداف استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط كثروات متعددة يضاف لها حماية إسرائيل فعمدت إلى استقطاب هذه الحركات الرافضة لواقعها وإقناعها بأنها ستجد الدعم والعون متى ما أقدمت على إحداث تغيير في بنية مجتمعها، وتم استخدام تلك القوى الإسلامية الحركية في كثير من المخططات السياسية، ومع تداخل مصالح الفريقين اكتشفت القوى الإسلامية الحركية أنها كانت مستخدمة طوال الوقت، فأرادت أن تنفي عن نفسها هذه التهمة، فانقلبت على نفسها (وتولدت جماعات متعددة كل منها تدعي خدمة الدين ونصرته).. وفي كل مرحلة تاريخية تفرز كل حركة صياغات جديدة لوجودها ظنا أنهم في مواجهة، بينما هم يحققون أهداف القوى الدولية باسم الدين؛ لأن استخدام الدين يولد طاقة متفجرة في نفسية الفرد تقوده للتضحية بكل شيء تحت شعار نصرة الدين.. وعندما تضع المشهد أمامك منذ الاستقلال إلى ثورات الربيع العربي وما أنتجه من بشاعة كداعش، يمكنك تلمس أن الأطراف المختلفة توحشت في إرهابها، سواء المقاتلين باسم الدين أو المخططين لهذه الفوضى الخلاقة، فالإرهابيون يحدثون الفعل البشع، والمخططون ينشرون البشاعة على مساحة أوسع.. وفي هذا التسابق لبث هذه الوحشية حدثت طفرة للتوحش بأن تفلتت الأداة من يد المخطط، فغدا هو الخصم والنصير.. وبهذه التركيبة الحالية، يكون المشهد مفتوحا لأن يتسع ويلتهم الخصوم والأنصار معا، ويصبح الحل الأمثل العمل على إعادة الإنسان إلى إنسانيته، وأول خطوة لهذا المشروع العكسي للتوحش هو استعادة النفس السوية، وهذه الاستعادة لا تتم إلا من خلال خلق التعددية في الفكر والرؤى، وهو ما يجب الإسراع بتنفيذه. [email protected]