نحن نعيش في خطر. والجملة السابقة ليست بها أي مبالغة فالواقع يشير إلى أن دائرة الفوضى الخلاقة يتم استكمال رسم محيطها بإسقاط الدول ذات القوة الإقليمية المؤثرة، وقد حطت الفوضى في كثير من البلدان العربية وأفقدتها قوتها العسكرية والاقتصادية وبذرت بها الفرقة الطائفية والمذهبية وقدمت ودعمت قوى حركية متعطشة للسلطة وظلت معظم دول الخليج تصد التصويبات المستهدفة أمنها واستقرارها بما تمتلك من قوى اقتصادية في المقام الأول إلا أن الفترة الزمنية التي مضت تؤكد استهداف هذه الدول مستهدفة وساعية ضرب الركن الأساس في هذه المنظومة وهي المملكة لما لها من ثقل حقيقي تجلى في كثير من المواقف السياسية التي خاضتها لحماية أمنها خارجيا وداخليا ومازالت تصد المحاولات المتوالية منها ما هو معلوم ومنها ما يحاك في الخفاء. والأحداث التي عصفت بالدول العربية مازالت تشير إلى وجود مخطط الشرق الأوسط وإقراره على الدول ذات المكانة والقوة الإقليمية بتفتيتها وتمزيقها لتمكين إسرائيل من البقاء كقوة ضاربة في مواجهة دول متناحرة ممزقة وللأسف الشديد كانت الاداة لإحداث هذا التمزق والدمار هي حركات إسلامية سياسية يتم تحريكها من الخلف من غير علم أو بعلم. وقد عهد مخططو الفوضى الخلاقة للقوى الاسلامية الحركية بالقيام بمهمة الفرقة والاحتراب استنادا على الفرقة المذهبية (التي بإمكانها خلق ضراوة وتسارع في خطوات التساقط) وكذلك استنادا على أن ظهور هذه القوى سوف يرضي الشارع الإسلامي، ومن جانب آخر استغلت الحركات الاسلامية الخلخلة الأمنية في كثير من الدول وخرجت بدعوى الجهاد لتوجد لنفسها مكان الزعامة في ثورات شعبية (وقد نجحت بسرقة تلك الثورات وتزعمها) وأثناء الفوضى تحركت عجلة إعلامية ضخمة بأن هذه الحركات الإسلامية لم تخرج إلا لنصرة الدين هنا أو هناك فانضم إليها الكثيرون إيمانا بهذه النصرة او تعاطفا معها وللاسف الشديد أيضا أن جل المناصرين أو المتعاطفين مع تلك الحركات هم منا، فلماذا نحن من تقدم هذه المناصرة سواء في الميدان أو بالمشاعر. وصدقا ومن غير الابتعاد عن تاريخية مجتمعنا وما واجهه من تعبئة مغلوطة كنا مساهمين في تمادي الحركات الإسلامية الحركية داخل المجتمع، ولا نريد أن نعود إلى الخلف إذ إن حاضنة هذه الحركات الإرهابية فاعلة لدينا سواء كان ذلك من التعليم أو الندوات والمحاضرات في المراكز الدعوية أو المساجد إذ كانت الحركات الإسلامية تعمل بمستويين: (سطح وعمق) فعلى السطح الدعوة إلى سبيل الله وفي العمق خلخلة المجتمع والانقلاب على النظام الاجتماعي برمته، وقد امتد عمل هذه الحركات لعقود من الزمان من غير تصويب الخطاب أو إدخال خطاب تفكيكي لما كان ساريا بين الناس فتغلغلت في الكثير من مناحي الحياة وغدا من الصعوبة في (الوقت الراهن) فكفكة ذلك الخطاب الذي ران على الأفئدة.. وهذا هو ديدن الجماعات الحركية في كل الدول التي عبثوا بها إذ وجد الغرب في هذه الحركات الإسلامية الراديكالية نموذجا جيدا لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الآن ونحن لانزال نعيش في مواجهة الخطر ما الذي يمكن حدوثه لتفكيك الخطاب الحركي لهذه الجماعات؟ سمعنا بعد كلمة خادم الحرمين الشريفين العاتبة على صمت العلماء عن أداء دورهم في مواجهة الخطاب الإرهابي المبثوث في المجتمع (مع الاعتراف بذلك الصمت من خلال ما صرح به الشيخ الدكتور عبدالله المطلق) سمعنا عن تحرك العلماء بعد ذلك العتاب بتحرك العلماء في تشكيل لجان في جميع أنحاء المملكة من أجل مواجهة الخطاب الإرهابي ومع احترامي الشديد لكل لجان الأرض إلا أن الوضع المعاش لا يسمح بالتباطؤ وسمة اللجان الزحف وقد قيل إن أردت إماتة أي مشروع أو فكرة فكون لها لجان. نحن في أمس الحاجة للإسراع ببث الخطاب الناقض لحجج الإرهابين والاعتراف بأن تلك المجاميع الحركية استغلت الدعوة إلى سبيل الله بالدعوة إلى سبيل السلطة.. كما أن مواجهة هذا الفكر الإرهابي التسلطي يستوجب تسمية الأشياء بمسمياتها من غير مواربة أو إيجاد الأعذار لتلك المجاميع كما حدث من قبل البعض في مواجهة القاعدة مثلا والمواجهة لا تكون بالتعتيم أو الحديث في العموميات فالأمر يقتضي الكشف وإظهار الحقائق على ما هي عليه وتفنيد الخطاب الإرهابي وبيان علله ومفاسده ومواجهة أصحاب ذلك الخطاب بمسمياتهم والابتعاد الكلي عن إثارة المذهبية بين أطياف المجتمع لأن مخطط الفوضى الخلاقة قائم على إثارة المذهبية في كل دولة تحل بها تلك الجماعات.