يقدّم الرئيس الأميركي ترمب -سواء في ولايته السابقة أو الحاليّة- نموذجًا فريدًا في توظيف الإعلام التقليدي والجديد لمصلحته، عبر تكتيكات واستراتيجيّات لا تصلح إلا له وحده. وهو بذلك يخلق حالة غير مسبوقة من خلال هيمنته على دورات الأخبار والمعلومات، عبر التصريحات الصادمة والقرارات الاستثنائيّة. ومما يمكن تمييزه في استراتيجيّات ترمب الإعلامية ما يلي: أولًا: مهارة التواصل المباشر مع الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وحين تمّت محاصرته إعلاميًا وتعليق حسابه على منصة X (يناير 2021)، أنشأ منصّته الخاصة "Truth Social" لتجاوز الإعلام التقليدي والرقمي والتواصل مباشرة مع مؤيّديه، ويكفي أن نعلم أنه في عام 2020 وحده، غرّد ترمب أكثر من 12,000 مرة، بمعدل 34 تغريدة يوميًا، ويتابعه حاليًا على منصة X أكثر من 100 مليون حساب. ثانيًا: تكثيف تكرار الشعارات العاطفية القوية لتعزيز هويّته السياسية، مثل شعار "MAGA" (جعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، و"Too Big to Rig" (أكبر من أن يتمّ تزويرها)، و"Swamp the Vote" (أغرقوا التصويت)، و"Build the Wall" (ابنوا الجدار)، والتي أحدثت دويًّا كبيرًا أثناء حملاته الانتخابية، سواء عند أنصاره أو خصومه، صحيح أن ترمب لم يبتدع الشعارات السياسية في الحملات الانتخابية، إذ يُعدّ ذلك تقليدًا أميركيًا في الانتخابات الرئاسيّة، ومن أشهرها شعار "Vote as You Shot" (صوّت كما تطلق النار)، الذي كان شعار الحملة الرئاسيّة ليوليسيس جرانت عام 1868. ثالثًا: مهاجمة مؤسسات الإعلام وتقويض مصداقيتّها، وذلك بترديد شعارات مثل "Fake News" (الأخبار الزائفة). وقد ساعده هذا التكتيك في رفع مستوى عدم ثقة الجمهور فيما يُنشر عنه في الأجهزة الإخبارية التقليدية، مما دفع الناس إلى البحث عن مصادر رقمية بديلة، وهي المصادر التي كان -وما زال- يملؤها صخبًا وإثارة، وصاحبَ ذلك تكثيف حضوره في منصّات المؤثّرين، مثل أدين روس، وقنوات البث "البودكاست" الشهيرة، مثل جو روجان، للوصول إلى شرائح جديدة، إذ ظهر من خلالها بطريقة أكثر بساطة وعمقًا للتواصل مع المستمعين في نشاطاتهم اليومية. رابعًا: استخدام الجدل كتكتيك إعلامي، وهو بذلك يخالف العرف الإعلامي ونصائح خبراء الاتصال الذين يوصون بتجنّب الجدل للسيطرة على السرديات وتفادي الضرر. لكنّ ترمب يخوض الجدل ويثيره، موقنًا أن ذلك سيجلب له عناوين الأخبار ووقت البث الرئيس، مما يضمن له صدًى ضخمًا على وسائل التواصل الاجتماعي دون أن يدفع دولارًا واحدًا. خامسًا: توظيف الخطاب الشعبوي بأسلوب "نحن ضدّهم" (Us vs. Them). وهنا قدّم ترمب نفسه بصفته مرشحًا مناهضًا للدولة العميقة، والمؤسسة السياسية، ووسائل الإعلام التابعة للمصالح، كما هاجم النخب المهيمنة على الحياة الاقتصادية والسياسية، واعتمد في ذلك على إثارة اهتمام الناخبين من الطبقة العاملة، بوصفه "صوت الأميركي المنسي" ("Voice of the Forgotten American")، مما ساعده في استقطاب شرائح جديدة. سادسًا: إدارة واستخدام المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة الرائجة لتشكيل الرأي العام. ومن أمثلة ذلك تكراره، خلال حملته، الادعاءات حول تزوير الانتخابات عام 2020، بالرغم من أن أكثر من 60 حكمًا قضائيًا ومسؤولين من الحزبين أكّدوا نزاهتها، كما روّج بعض أفكار نظريات "الدولة العميقة"، بالإضافة إلى الروايات الشعبيّة المتضاربة حول فيروس كورونا. * قال ومضى: تقول الحقيقة: من يثمّن المعلومة مات، في عصر المعلومات.