الرسالة التي يسعى العالم لحملها لأميركا هي الحديث عن تلك التحولات التي قد تؤدي إلى تقدير خاطئ للأزمات الدولية والحروب الإقليمية في العالم وخاصة في موقعين مهمين، الشرق الأوسط وشرق أوروبا حيث روسيا وأوكرانيا، خاصة أن التقديرات التي يمكن توقّعها حول ما تحمله سياسات أميركا لهذه الأزمات أصبح لا يمكن التنبؤ بها.. لفهم الترمبية بشكلها الذي تلوح به فترة الرئيس ترمب الثانية، علينا أن ندرك أن الرئيس ترمب يتجه في سلوكه السياسي إلى أن تكون السياسة الدولية المطلوبة تحمل فقط المعاني الأميركية، وفي السياق الذي تتواجد فيه سواء كان سياقا سياسيا أو سياقا اقتصاديا، وهذا النهج هو تعبير مباشر عن إفراط أميركا في تقدير انتصارها على الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي مما أدى إلى دخول أميركا في سبات سياسي طويل تسعى الترمبية إلى إيقاضه، وتعاملت أميركا مع تسلمها نظام القطب الواحد على أساس أنه حلم ثابت لا يتغير، بينما هو في الحقيقة مؤشر مباشر لمرحلة جديدة من التفاعلات والتغيرات السياسية الدولية المتسارعة، والملاحظ على السياسة الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، أنها أصبحت سياسة تبالغ في كل شيء ولا تستطيع إثبات استحقاقها لكسب الولاء الدولى بالطرق التي كانت قائمة فيما قبل تسعينات القرن الماضي. مع مجيء الترمبية إلى الساحة الأميركية أصبحت المبادئ الأميركية تميل بشكل أكثر وضوحاً لتحقيق الاستجابة للمكيافيلية عبر الالتزام بمبادئ الغايات والوسائل واستثمار الانقسامات، ورغم أن الاستراتيجيات المكيافيلية قد تكون فعالة على المدى القريب إلا أنها قد تثير اعتبارات أخلاقية يمكن أن تخلّف عواقب طويلة الأمد على الحكم الديمقراطي في أميركا الليبرالية ذات السلوك البراغماتي، فالانقسام السياسي في أميركا أصبح شديد الوضوح من خلال الأحزاب السياسة الكبرى وخاصة الحزب الأحمر والحزب الأزرق، والحقيقة أنه إذا لم يتم تخفيف هذا الانقسام الحزبي فقد يشهد العالم مستقبلا تعثرا أميركيا في إدراة شؤون العالم، وخير مثال على ذلك ارتكاب أميركا الأخطاء الفظيعة في منطقة الشرق الاوسط، فبدلا من أن تحقق وعدها بإقامة دولة ناجحة في العراق وتحاصر البرنامج النووي الإيراني، فقد فعلت العكس، فسلّمت العراق إلى إيران وتساهلت مع برنامجها النووي. ما يمكن فهمة من السياسة الأميركية التي يقودها الرئيس ترمب، إنها مرحلة مختلفة، فالترمبية تؤمن بمسارها المحدد وشعارها التسويقي الواضح الذي يقول "لأنني استحق ذلك فسوف أفعله" لم تعد السياسة الأميركية تروج للقيم التي اعتاد العالم على سماعها من كل رئيس يحل في البيت الابيض، ولم تعد تلك القيم تهدف إلى تسهيل السياسة الدولية وتحقيق التشاركية الدولية، فالسياسة الأميركية التي نتعايش معها اليوم تركز على ضرورة تغيير الطريقة التي تستهلك فيها الدولة طاقاتها السياسية ومعاييرها الاقتصادية وتأثيراتها الدولية، اليوم يتم دفع العالم إلى التعامل مع نمط من أنماط الاستهلاك السياسي والاقتصادي الذي ترغب أميركيا في ترويجه والذي يدور حول جعل أميركا عظيمة مرة أخرى بغض النظر عمّن سيدفع فاتورة هذا الشعار. عمليا نحن في المراحل الأولى من توجهات السياسة الخارجية الأميركية ولن يكون من السهل على الرئيس ترمب تقديم مسار واضح سهل الهضم للكيفية التي سوف يتم فيها إيقاف الصراعات والحروب انطلاقا من حرب روسيا وأوكرانيا، بجانب رغبته في التوسع تجاه كندا وجزيرة قرينلاند، وانتهاء بالقضية الفلسطينية التي تحمل مؤشراتها خطة تسعى للدفع نحو الاتجاه الذي يسعى إلى السماح لإسرائيل بالسيطرة بشكل أكبر على فلسطين وشعبها، بجانب تلويح من إدارة ترمب أن سياسية الضغط الأقصى ضد إيران سيعاد تكرارها، مع ترك كل الاحتمالات متاحة لإسرائيل فيما تراه من خطوات عسكرية تجاه طهران، أما الجانب الاقتصادي فحسم ترمب مساره بخطة ذات اتجاه واحد، وهو رفع التعرفة الجمركية على الدول التي تستورد منها أميركا ولا يبدو أن هناك معايير واضحة لهذا الإجراء تقيس مخاطره المستقبلية على أميركا. الرسالة التي يسعى العالم لحملها لأميركا هي الحديث عن تلك التحولات التي قد تؤدي إلى تقدير خاطئ للأزمات الدولية والحروب الإقليمية في العالم وخاصة في موقعين مهمين، الشرق الأوسط وشرق أوروبا حيث روسيا وأوكرانيا، خاصة أن التقديرات التي يمكن توقعها حول ما تحمله سياسات أميركا لهذه الأزمات أصبح لا يمكن التنبؤ بها، فالعالم أصبح متشوقاً ومنتظراً أن تمارس أميركا دورها كامبراطورية قادرة على التضحية ومستعدة للمحافظة على توازنها الدولي ولو تكبدت الخسائر واضطرت إلى التوازن والضغط على حلفائها، لأن الحالة الدولية اليوم لا يمكن ترويضها بمجرد اتخاذ مجموعة من القرارات والاعتقاد أن تلك القرارات سوف تغير المسار الدولي بسهولة، لن يكون من السهل على أميركا أن تحقق التأثير في المجتمع الدولي بمجرد الاتكاء على مكانتها الدولية كقطب متفرد يجلب رؤساء الدول إلى البيت الأبيض، فهذا النهج يؤدي بشكل مباشر إلى تخفيض ومحاصرة خيارات أميركا الدولية إلى درجة يمكن أن تصل إلى عدم فاعلية تلك القرارات.