دائمًا ما تلفتني تلك المتاحف التي تشتم منها رائحة عبقة وترى التشكلات الفنية والمنحوتات على سجية أهلها أصحاب تلك الحقب التاريخية وفي كل قطعة أثرية أتخيل تلك الأصوات التي لا نسمع صداها الآن إلا في أرثها الحضاري ماذا كانوا يقولون وماهي لكنتهم التي يستخدمونها سواء في الشرق أو الغرب. يأتي بينالي والمقام في صالة الحجاج بمطار الملك عبد العزيز الدولي من الفترة 25 يناير إلى 25 مايو 2025، ليشكل وجهة سياحية فريدة لاستقبال الحجاج من مطار الملك عبدالعزيز الدولي وإهدائهم تجربة لن ينسوها ما كانت الأرواح في أجسادهم. وبكل استحقاق التنوع الثقافي، التاريخي، المعرفي، الإبداعي، يتشكل في منصة واحدة وليس مجرد متحف فقط. حيث تشارك في البينالي أكثر من 30 دولة تشمل الدنمارك، ومصر، وفرنسا، واليونان، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، والكويت، ومالي، وعُمان، وفلسطين، والبرتغال، وقطر، والمملكة العربية السعودية، وإسبانيا، وتونس، وتركيا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وأوزبكستان، والفاتيكان. كما أنه يضم أعمالًا لأكثر من 30 فنانًا على صعيد المملكة، ودول الخليج، والعالم أجمع، ولفتني أن هناك 29 عملًا فنيا جاء بتكليف من مؤسسة بينالي الدرعية، وتلك هي انعكاسات لجهود المؤسسة لتوفير منصة عالمية للفنانين السعوديين بالإضافة إلى استقطاب الفنانين العالميين. هو تموضع للفن الإسلامي والعالمي بطريقة مبتكرة، تبحث عن معنى الإنسان وإسهاماته الثقافية المعرفية، فضلًا عن أنك ستجد أعمالاً تحتوي على تحفاً أثرية وقطع تاريخية ومقتنيات إسلامية نادرة. كما أنك ستتعرف على الأعمال الفنية المعارة من مؤسسات عالمية مثل متحف اللوفر (باريس)، ومتحف فكتوريا وألبرت (لندن)، مع مقتنيات من الفنون والثقافات الإسلامية قادمة من معهد أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلامية (تمبكتو)، ومتحف الفن الإسلامي (الدوحة)، والمعهد التركي للمخطوطات (إسطنبول). وعلى المستوى المحلي يحتوي البينالي بين طياته مؤسسات سعودية عريقة مثل مركز الملك عبدالعزيز الثقافي إثراء (الظهران)، ومجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية (المدينةالمنورة)، ومكتبة الملك فهد الوطنية (الرياض). ولا يفوتنا أن ننوه تلك التحف والأعمال الفنية التي يسدل عنها الستار في بينالي، حيث إنه سيشهد وللمرة الأولى العرض الحصري لكامل كسوة الكعبة المشرفة خارج مكةالمكرمة، وفي أثناء نسج الكسوة الجديدة سيتم عرض الكسوة التي تلألأت بها الكعبة المشرفة خلال العام المنصرم وهي تجربة لن تتكرر على الإطلاق. وعلاوة على جميع الأعمال الفنية الإسلامية والعالمية، فإن ورش العمل والملتقيات الثقافية لها النصيب الأبرز في النشاطات المصاحبة، لهذه الأيقونة الفريدة من نوعها. وسوف أورد بعض تلك الملامح التي تبرز الجهود ونوعية العمل المقدم، وكأنه كرنفال تاريخي، ثقافي، فني، معرفي، بلمسة إبداعية جديرة بالشكر والإشادة. فالبرنامج الثقافي يزخر بالعديد من ورش العمل، والأنشطة، والمحاضرات والندوات، مثل العروض التفاعلية لمراحل الصناعة والمحافظة على كسوة الكعبة، ومحاضرة عن الإسلام في اليابان ودور الإحسان في التفاعل الثقافي، وتجسد هذه المحاضرة العلاقة التاريخية العميقة بين الإسلام والثقافة اليابانية، وإبراز كيف أثرت الثقافة الإسلامية مثل مفهوم الإحسان في الأخلاقيات اليابانية الثقافية الكلاسيكية. بالإضافة إلى نادي بينالي للقراءة والذي يناقش كتبا مختارة لزيادة الوعي الثقافي للكبار والأطفال فضلا عن وجود رسامين يتيحون عبر ورشهم النوعية تعلم الرسم على أسلوبهم الخاص. لا أستطيع أن أصف تلك اللؤلؤة النادرة والتي استقرت في عروس البحر الأحمر، على ضفاف مطار الملك عبد العزيز الدولي، وفي صالة الحجاج انبثقت إلا أن أقدم شكري وتقديري وعرفاني إلى وزارة الثقافة ومؤسسة بينالي الدرعية حاضنة هذه المبادرة. بارك الله في جهودكم التي رسمت تلك اللوحة الأنيقة، لتكون أيقونة يقصدها المسافر ليستمتع بما نملكه من إرث تاريخي وحضاري وثقافي بأيادي سعودية امتهنت الإبداع والابتكار، لتخرج لنا هذه اللوحة التي لن تشبعك من الوهلة الأولى، فهي زاخرة بالأصالة والعراقة والحداثة تواكب الحاضر وتستخدم أبرز تقنياته لإبراز الماضي. واختم مقالي بهذا الاقتباس لألبرت اينشتاين (الخيال أهم من المعرفة، لأن المعرفة محدودة، بينما الخيال يشمل العالم كله، ويحفز على التقدم، ويولد التطور).