قرأت، مؤخرا، كتاب (تجربة حياة) لأمل الجمل، ط1، 2014 دار المحروسة بالقاهرة، وهو عبارة عن استجواب أو مقابلة مطولة مع الدكتور والروائي شريف حتاته وزوجته الدكتورة والروائية نوال السعداوي.. عند سؤال حتاته: لو لم تصبح الكتابة هي حياتك.. ترى كيف كان سيصبح شكل حياتك؟ ليجيبها بقوله: « كانت بقت ضنك.. كنت هأبقى في السياسة..» برغم الإحباط والمؤامرات وممارسة السياسة بشكل سيئ، ولكنه استدرك قائلا: «إن حظي كويس، لأني لقيت حاجة ممكن تملأ حياتي..» فسألته أمل: احتمال اتجاهك إلى الرواية لأنك فشلت سياسيا..؟ فأجابها بأن الكتابة والاقتناع بها جاءت متأخرة، ولشعوره بأن السياسة مش موجودة ساعده على التفرغ للكتابه قائلا: «.. ورأيي أن ده أحسن حاجة ممكن تكون حصلت لو أحد زيي في الظروف الحالية؛ لأني لو كنت منشغل بالسياسة كنت هأضيّع وقت كثير جدا في حاجات لا قيمة لها... الكتابة انقذتني فعلا.. من المستنقع السياسي الموجود في بلادنا في المرحلة الحالية». وعن سؤال: هل تعتبر نفسك كاتبا مخلصا للكتابة؟ أجاب: انه مش عارف.. فهو في سن 20 أو21 سنة كان مندمجا في السياسة.. فأول رواية كتبها (العين ذات الجفن المعدني) سنة 1967 م، وكان سنه 42 سنة، وقال إن النقلة من السياسة للكتابة الروائية لم تأتِ قفزة واحدة، لكنها جت بالتدرج. وعندما يندمج في كتابة رواية يقول: «.. لا أقرأ في أي كتاب أثناء الكتابة، لا في أي كتاب ولا أقرأ صحف، ولا أي حاجه، ممكن أسمع مزيكا، أو أروح المطبخ أعمل شاي، أعمل حاجة، وهو فعلا الواحد لما يكون مندمج قوي في الكتابة بيحتاج يحرك جسمه لأن الضغط الذهني يكون شديدا عليه، والكتابة أصلها مرهقة جدا، الواحد لما يكتب، ساعات صحيح لا يشعر بالإجهاد أثناء الكتابة، لكن لما يفوق ويرجع للدنيا تاني يحس إنه تعب قوي، فالحركة اللي بيعملها وهو بيغسل طبق أو بيعمل حاجة عضلية بتريح الذهن». ص239 وقال: «إن الكتابة متعلقة بحياة الإنسان والناس من حوله والمجتمع الذي يعيش فيه، يعني لو مكانش فيه مشاكل ما أعرفش إذا كان الناس هيقدروا يكتبوا ولا لأ؟ لأن الفن هو جماع الغضب والضيق والقبح الموجود في الحياة والظلم والمآسي، ورغبة المبدع في أن ده مايكونش موجود.. هو ده اللي بيخلي الناس تكتب وتعبر عن شحنة بداخلها. إذا كنت سعيد قوي ومفيش مشاكل ما أعرفش كنت هأكتب عن إيه يعني؟ بالنسبة لي لا بد أن الكتابة تعبر عن حالات تمر بحياتي وبحياة المجتمع الذي أعيش فيه». ص243 أما بالنسبة لعبدالرحمن منيف، فنجده هو الآخر يكتب أولى رواياته (الأشجار واغتيال مرزوق) عام 1973م بعد أن بلغ الأربعين من عمره، صحيح أنه كتب مقالات وألف عن النفط بحكم تخصصه، إلا أنه عرف روائيا وحصل على جائزة الرواية العربية الأولى بالقاهرة عام 1998 م للإبداع الروائي، وقبلها جائزة سلطان العويس الثقافية عام 1991م. قال: «إن هزيمة 67 وشيوع روح اليأس وانعدام موقف التضامن أو الاتفاق على مطالب الحد الأدنى.. وغياب الديموقراطية، وسيادة النمط الاستهلاكي وتزايد الفقر والأمية وغيرها».. فهذه التحديات والأسئلة لا تطرحها، إلا الثقافة الجادة، ولا يتصدى لها إلا المثقفون الجادون؛ لأن الثقافة الجادة تمثل الوعي والإحساس بالخطر.. وقال في شهادته التي قدمها للمؤتمر الروائي الأول بالقاهرة: «جئت إلى الرواية في وقت متأخر بعد أن سئمت من السياسة التي كانت سائدة آنذاك.. جئت لاجئا وكل ظني أنها نزوة.. استراحة قصيرة.. أعود بعدها للسياسة كي أغير العالم..»، لكنه اكتشف بعد قليل أن «الرواية لا يمكن أن تكون محطة أو نقطة عبور، إما أن تكون وطنا أبديا.. وإما لا، لا يمكن أن تكون الرواية استراحة أو نزوة، وما إن يدخل الإنسان إلى رحاب الرواية حتى تصبح كل شيء بالنسبة له.. حتى تغيير العالم يصبح أحد مقاييسه، هو أن تكون الرواية موجودة وبعافية.. وأن يطل من خلالها على العالم تمهيدا لتغييره» روز اليوسف عدد 3638 القاهرة 2/3/1998م. وقال إن الرواية بالنسبة له هي عالمه والرئة التي يتنفس بها، ووسيلته في مخاطبة الآخرين..، ولهذا تعتبر الرواية كوسيلة لتوعية ورفع مستوى الوعي لدى المجتمع أبلغ وأقوى من السياسة المتقلبة والسياسيين ذوي الوجوه المتعددة.. [email protected]