من بعد صلاة العصر في كل يوم تبدأ رئاسة شؤون المسجد الحرام في فرش الساحات المحيطة بالمسجد الحرام، حيث يبدأ توافد المعتمرين من مساكنهم المحيطة بالمسجد الحرام ومن كافة أحياء مكةالمكرمة لتناول الإفطار وأداء صلاتي المغرب والعشاء وصلاة التراويح والقيام، كما يمكث الكثير منهم بها حتى يصلوا الفجر في جو روحاني يتأملون فيه هذا المكان الطاهر ويكثرون من الدعاء وقراءة القرآن وتمتد الفترة التي يبقى فيها المعتمرون في الساحات قرابة 12 ساعة. والملفت للنظر أن الأخوة الحقيقية تظهر هنا، فيشعر الواحد منهم بالوحدة الإيمانية الحقة والمحبة والألفة بين المسلمين من خلال الإيثار والتسامح والتعاون وغيرها من الخصال الحميدة، كما يبرز في ساحات المسجد الحرام نشوء صداقات بين المعتمرين وعلاقات جديدة، بل وتترسخ هذه الصداقات فيما بينهم فيما بعد، فمنهم من يكون من بلد واحد، حيث يتعرفون على بعضهم البعض في ساحات الحرم ومن ثم تنشأ هذه الصداقة فتستمر بعد عودتهم لبلدهم بعد أن يأخذوا عناوين بعضهم البعض ومنهم من يجد صديقه الذي فارقه منذ سنوات طويلة بعد أن كانا يعملان سويا في شركة واحدة وإذا به يجده متوشحا ملابس الإحرام فيتم العناق بينهما في منظر مهيب. وهناك بعض الأسر الخليجية التي سكنت بعض الفنادق المحيطة بالمسجد الحرام تتجمع في ساحات الحرم المكي في تجمع عائلي يفيض بمشاعر عائلية وهم يحتسون القهوة في صورة ناصعة لاستثمار الموقف في التربية والتدريب والتعليم الديني، فيما تحلق حولهم فراشات البهجة والأنس، حيث يقومون بتوزيع فناجين القهوة على المعتمرين الجالسين بالقرب منهم والذين يحتسونها بكل سعادة. المنظر المبهج رسم علاقات اجتماعية متنوعة لدرجة أن ساحات الحرم المكي تحولت إلى أماكن للعلاقات العامة والتعارف بين قاصدي المسجد الحرام.. هناك يمكنك أن ترى أسرة قطرية التقت بأخرى قادمة من الرياض أو من أي بلد آخر وتعارفتا، وقد تشاهد سيدة حجازية قابلت أخريات ودعتهن لتناول إحدى الوجبات في منزلها ومن الشيء الملفت أن هناك صداقات وعلاقات امتدت إلى العلاقات العائلية، فهناك أسرة قامت وخطبت فتاة من أسرة أخرى بعد أن تعرفت عليها هنا في ساحة الحرم ومن ثم تمت مراسم الزواج بعد 5 أشهر من انتهاء موسم رمضان في الرياض. معتمر يدعى «أحمد سيد» من مصر كان يتحلق حوله عدد من المعتمرين وهو يحدثهم، اقتربنا منه.. سألناه عن شعوره وهو يؤدي العمرة فقال «الحمد لله ان يسر لي أداء العمرة وشعوري لا يوصف أن مد الله في عمري حتى أديت هذه الفريضة»، وعن هؤلاء الذين يتحلقون حوله قال «هؤلاء يعتبرون مثل إخوتي، حيث يعود الفضل لله أولا ثم لتأدية العمرة في نشوء هذه الصداقة».