قد يلفت نظر بعض الذين يقلبون صحفنا المحلية ما يكثر فيها من إشارات إلى انبهار ودهشة الغربيين المقرونة بالإعجاب والاستغراب مما يشاهدونه من إنجازاتنا، سواء الحضارية أو الفكرية أو الفنية أو غير ذلك، حيث تتكرر في الصحف عبارات مثل: (فلان يشيد ب...)، (السفير الفلاني ينبهر ب...)، (ممثل الجهة الفلانية يثني على ...)، (فلان بهر أساتذة الجامعة الفلانية..)، وغير ذلك من العبارات التي تساق لوصف ما حدث لأولئك الغربيين أفرادا أو مؤسسات أو جمعيات من تعجب وانبهار بما يرون ويشاهدون لدينا من إمكانات وقدرات إبداعية وعلمية، كأننا بسوق تلك العبارات نسعى إلى التأكيد على جودة ما نقدمه، والتدليل على قدرتنا على التفوق والتميز من خلال الإشارة إلى هذه الانطباعات والتعليقات المبالغ في وصفها. لكن هذا الفعل لا يعني شيئا سوى أنه يكشف ما نحن فيه من فقد الثقة بالذات، حيث نسعى إلى إثبات جودة ما نفعل من خلال تخيل انبهار الآخرين بعملنا!! انبهار الآخرين بما يرون منا إن كان حقا وليس مجاملة منهم لنا أو مجرد توهم صنعته مخيلاتنا ما كان ينبغي لنا أن نفرح به أو نتباهى، فهو ليس دليلا على أننا نصنع عجائب وغرائب تبعث على الانبهار، وإنما هو دليل إن كانوا انبهروا حقيقة على أنهم (يستكثرون) علينا أن نتمكن من فعل ما فعلنا، تماما كانبهارك لو رأيت قطا يكتب، فأنت لا تعجب لفعل الكتابة في حد ذاته، ولكن تعجب لصدوره عن قط ليس في قدراته الطبيعية أداء ذلك الفعل!! لذلك أجد قول انبهار الغرب بتفوق طلابنا المبتعثين، أو بنشر أحد باحثينا دراسة في مجلة علمية مرموقة، أو بفوز مؤسسة من مؤسساتنا بشهادة التميز والجودة في الأداء، هو قول لا تفسير له سوى أنه يعكس الاستغراب من صدور ذلك عنا، ربما، بالنسبة لهم، هو حدث غير متوقع أن يروا منا قدرة على الإنجاز، فالانبهار هنا إن وجد فعلا لهذا السبب، ليس إلا، فهل يستحق أن نعتز بانبهار كهذا أو أن نتباهى به!! المشكلة التي تغرق فيها صحفنا المحلية أنها في أغلب الأوقات تعتمد في تقاريرها وأخبارها على محررين غير مدربين وليس لديهم المعرفة والخبرة الكافية، لكنها تطلقهم في ميدان العمل الصحفي ليتعلموا بالتجربة والخطأ بلا إشراف ولا توجيه، فيأتون ما يأتون من مثل هذه الكتابات الساذجة التي لا يلزمهم وحدهم عيبها، وإنما يمتد ليشمل الصحيفة والمجتمع. فمثل هذه الكتابات تدل على أن المجتمع يعيش إحدى حالتين: إما أن يكون فاقدا الثقة بنفسه إلى حد الفرح والتباهي أن يعجب به (غربي) ينتمي إلى عالم الحضارة والمعرفة، وإما أن يكون مغرورا بذاته وبما يفعل حتى ليبلغ به الغرور خداع نفسه بتوهم أنه أصاب العالم بالانبهار والتعجب من قدراته ومزاياه الطاغية.