يتهكم البعض أحيانا على أفعال التفضيل التي اعتدنا على سماعها أو قراءتها كلما أعلن عن تأسيس مشروع من المشاريع المحلية مسبوقا بوصفه أنه، أكبر، أو أفخم، أو أعظم، أو أحدث أو غيرها من أفعال التفضيل التي تتبارى الصحف في ترديدها، وما يبدو هو أن دائرة التهكم في طريقها إلى أن تكبر بعد أن امتدت أفعال التفضيل لتشمل الأشخاص غير مكتفية بالأشياء وحدها. فصحفنا المحلية حرسها الله، صارت عندما تنشر أخبارا عن نجاح أو إنجازات بعض السعوديين الموجودين خارج المملكة، سواء كانوا طلابا مبتعثين أو أساتذة باحثين أو غيرهم، تنشرها على طريقة أفعل التفضيل السابقة، فهي تنشر أخبار إنجازاتهم مؤطرة بخط عريض بعبارات وصفية مبالغ فيها بعيدة عن الحقيقة مثل (بهر العالم!!) ( أثار دهشة الغرب!!) (أذهل زملاءه !!) أو غير ذلك من العبارات التضخيمية المنافية للواقع والتي تثير التهكم في صدر من يعرف الحقيقة. ليس هذا فحسب، وإنما أيضا صارت الصحف تعد كل ما ينجزه السعوديون خارج المملكة أو داخلها من نشاط مرتبطا بمؤسسات خارج المملكة علمية أو غيرها، صارت تعده (تميزا) يستحق النشر عنه والإشادة به حتى وإن لم يكن كذلك، كأن يلتحق أكاديمي أو طبيب أو محام أو غيرهم بعضوية جمعية علمية عالمية في مجال تخصصه، أو أن يشترك في تحرير مجلة علمية عالمية متخصصة في مجاله، أو أن ينشر باحث دراسة علمية في إحدى المجلات العلمية المرموقة عالميا، وهذا كله أمر متوقع ومطلوب ممن هم في المجالات الأكاديمية أو الباحثين في المؤسسات العلمية، فعضوية الجمعيات أو النشر في الأوعية العلمية العالمية ليس من نوادر الإنجاز التي تستدعي الإعجاب، لكن الصحف تنشر تلك الإنجازات على أنها فتح الفتوح مما يستحق الذهول والانبهار به!!. هذه المبالغات التفخيمية لبعض الإنجازات، هي في ظني تدل على استصغار شأن الذات أكثر مما تدل على الفخر بما تحقق، بدليل أنه متى حقق باحث سعودي أو طالب مبتعث تميزا في مجال ما، تجد الصحف لا تركز في حديثها على الفعل الذي أنجز ولا يهمها إبراز سمات التميز فيه، وإنما يكفيها أن توجه كل اهتمامها إلى رصف عبارات الإبهار والإدهاش والذهول والتعجب من قدرة ذلك السعودي على التميز عموما وعلى بز الأقران الغربيين خصوصا !!. كأني بالصحف تستكثر على الباحث السعودي أو الطالب المبتعث أن يحقق نجاحا خارج بلاده، أو أن يتفوق على زملائه الغربيين، كما لو أنها ترى الأصل أن يكون السعودي أدنى في قدراته من زميله الغربي ومتى حدث أن تفوق عليه فإن ذلك يعد شيئا مثيرا للعجب، باعثا على الذهول!!. إن ما يحصده باحثونا وطلابنا المبتعثون من النجاح في صوره المختلفة هو مما يثلج صدورنا ويبعث التفاؤل والأمل في نفوسنا، فما يحققه أبناء الوطن من نجاح لا ينحصر فيهم وإنما هو يمتد ليصل خيره إلى وطنهم ومجتمعهم، لكن الفرح بنجاحهم لا يعني الحديث عنه بهذه الصورة الساذجة المكتظة بمبالغات زائفة سرعان ما ينكشف زيفها وقد تأتي بثمرة مغايرة لما كان مرجوا منها.