في كل يوم جديد من حياتها مع الموسيقى والفن تحلم هبة القواس وتضيف إلى أحلامها أحلاما جديدة تحقق بعضها وتسعى جاهدة لتحقيق تلك الأحلام المتتابعة، كان هذا حال نجمة الموسيقى العربية اللبنانية الكبيرة هبة القواس، وهي تتماهى فنا وإبداعا مجسدة بعض أحلامها بل وحلمها العتيق الذي من أجله ألفت عملا موسيقيا ضخما قدمته بعنوان «أنوار الأندلس»، على خشبة دار الأوبرا السلطانية في عمان، باختتام استثنائي للموسم الخامس لدار الأوبرا، وذلك في ثلاث حفلات متتالية كعرض أول قبل أن تتحضر لتدور به عواصم العالم بدءا من بيروت، وهنا يصف الحالة أحد كبار النقاد من المهتمين بالعبقرية الموسيقية لهبة قائلا: كان تقديمها لهذ العمل الكبير مع أكثر من 150 شخصا ومشاركا التصميم والتنفيذ والأداء من مختلف الجنسيات، راسمين فسيفساء موسيقية غنائية راقصة، تتجاذبها خيوط سحرية تشد الرماح في الأوتار والأجساد والأصوات، لتحكي قصة نجمة (هبة القواس) تغني حبها المتأرجح بين ضفتين، تتقاذفها أمواج الأنغام العربية الأندلسية تارة وتجذبها طورا إيقاعات الفلامنكو، وهي تغني العالمين بشغف يعكس مرايا روحها التائقة إلى المطلق! لطالما حلمت هبة بالأندلس في أعمارها الماضية وعكستها في موسيقاها، سيما وهي سليلة ملوك الأندلس لأجدادها الذين صنعوا زمن أمجاد العرب الذهبية التي شعت على أوروبا بزهوها الثقافي، فتلاقحت الحضارات وانعكس وهجها في العلوم والفكر والإبداع الفني بكامل وجوهها. امتزجت عناصر الموسيقى المتفجرة بالعواطف والحنين المتأجج بلهب الشرق وغلالات المشاعر المتناقضة وأصوات الكورال المنبعثة من صميم التاريخ مع الغناء والرقص بحيوية مكهربة على خشبة المسرح، حيث استعرت شظايا القلوب فوق براكين الغيرة والحب والتملك، واختلط نبض الفنانين المتنافسين على قلب النجمة بلهيب النار، بين عازف الغيتار الإسباني (خوسيه ماريا غياردو دل ري) الذي غلف روحها بموسيقاه، وعابر السبيل (محمد عبدالرحمن) الذي حرك أشجانها بصدى صوته الشجي، والراقص الإسباني (خوسيه مالدونالدو) الذي جذبها بخلجات جسده النارية! أما هي فتبحث عن الحب الأمثل الذي تكتشف سره في كل خطوة ترسم الطريق إليه، وفي هذا العمل الأوبرالي غنى عازف الغيتار خوسيه ماريا مع مجموعته بالإسبانية فتناجت الأرواح وتمايلت الأجساد بين النار والماء. تفلتت الحواس ولم تلغ الحضور الملائكي لنجمة الأندلس التي غنت للخالق منشدة من شعر كمال جنبلاط «يا حبيبي أنا نور من نور نسجته يد الكواكب وكل ما في الضياء نور، نور وجهك الفريد.. مولاي، دنياك هذه هي من حلم نفسي، أحرقني وإياها واطفئ الشموع فلا يرى أحد غيرك في بهائك». على غرار افتتان الدراويش برحلتهم الصوفية، قرعت هبة القواس بقوة على أبواب الأندلس التي ختمتها بأغنية وجدانية «أنا العاشق» للدكتور الشاعر عبدالعزيز خوجة، تعلن فيها بدء المسار: «أنا ماض أنا آت بلا أزمان.. ألا من يفتح الأبواب للزائر». فاختصرت الأزمان وشرعت الأبواب للموسيقى والحياة.