توصل وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، في شهر يوليو الماضي، لاتفاق استئناف المفاوضات الإسرائيلية/ الفلسطينية، وتحريك عملية السلام المجمدة التي مضى عليها ثلاث سنوات، على أن يتم التوصل إلى توافق على القضايا النهائية الشائكة بين الطرفين في غضون فترة حددت بتسعة أشهر، ووفقا للاتفاق المذكور، فإن على الجانب الفلسطيني الامتناع عن التوجه للأمم المتحدة خلال تلك الفترة في مقابل أن تفرج إسرائيل عن 104 معتقلين فلسطينيين منذ ما قبل 1993 (اتفاقات أوسلو)، وذلك على أربع دفعات. من الواضح بأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تعرض لضغوط كبيرة من الجانبين الأمريكي والإسرائيلي، بل ومن بعض العرب على حد سواء، ما فرض عليه العودة إلى طاولة المفاوضات والتخلي عن شرطه السابق بوقف الاستيطان في الأراضي المحتلة، غير أنه على مدى فترة المفاوضات المقررة، والتي ستنتهي في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، لم يتم إحراز أي تقدم، بل إنه في ظل العجز والانقسام الفلسطيني والعربي من جهة والانحياز الأمريكي لإسرائيل من جهة أخرى، أمعنت الأخيرة في سياستها الاستيطانية في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية، وطارحة شروطها التعجيزية والمذلة بحق الجانب الفلسطيني، ومن بينها الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، ورفض حق العودة للاجئين، واعتبار القدس الكبرى (بما في ذلك القدس العربية) عاصمتها الأبدية، ناهيك عن الاستمرار في فرض الحصار والجدار العنصري، وتصعيد أعمال القتل والاغتيال والاعتقال، إلى جانب مواصلة سياسة التهجير وهدم المنازل ومصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر (إسرائيل). وفي خطوة تصعيدية أعلنت إسرائيل عن رفض إطلاق سراح 30 أسيرا فلسطينيا، وهم الدفعة الرابعة والأخيرة ممن تبقوا من الأسرى المعتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو عام 1993، علما بأنه في شهر مارس 2014 وصل إجمالي عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية إلى 5224 معتقلا. الشرط الإسرائيلي لإطلاق الدفعة الرابعة (ويا للهول 30 معتقلا) من الفلسطينيين مقابل مواصلة المفاوضات العبثية التي تدور في حلقة مفرغة، والتي تصب في مصلحة إسرائيل في المقام الأول، حيث أصبحت المفاوضات من أجل المفاوضات هو وسيلتها الدعائية لإظهار نفسها أمام الرأي العام الدولي تمسكها اللفظي بعملية السلام، وللتغطية في الوقت نفسه على تمرير مشاريعها التوسعية، وآخرها موافقة الحكومة الإسرائيلية على بناء 770 وحدة استيطانية جديدة في القدسالشرقية، وقد أثارت هذه المواقف والإجراءات الاستفزازية غضب واحتقان الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني، ولم تستطع السلطة الفلسطينية تجاهل ذلك، الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ قرار انضمام فلسطين للاتفاقيات والمعاهدات الدولية وعددها 15 اتفاقية، ووفقا لبيان الخارجية الفلسطينية أن «القرار الفلسطيني هذا جاء بعد أن رفضت الحكومة الإسرائيلية الإفراج عن الدفعة الرابعة والأخيرة من الأسرى الفلسطينيين القدامى، كما هو متفق عليه أمريكيا وفلسطينيا وإسرائيليا كاستحقاق ملزم مقابل تأجيل التوجه الفلسطيني للمنظمات الدولية»، غير أن القائمة خلت من طلب الانضمام إلى موقعين مهمين، وهما محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وذلك في خطوة وصفت لتجنب فرض عقوبات أمريكية. وفي رد فعل للحدث، هددت إسرائيل باتخاذ خطوات أحادية ردا على سعي الفلسطينيين للانضمام رسميا إلى المعاهدات الدولية، ومن المتوقع أن تشمل الخطوات الانتقامية الإسرائيلية المياه والكهرباء وأموال الضرائب الفلسطينية وتجميد الاتصالات مع الجانب الفلسطيني. هذه التطورات المتلاحقة حدت بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى القول إن واشنطن تعيد النظر في جدوى مواصلتها الدور الذي تلعبه في المفاوضات، كما عبر البيت الأبيض عن خيبة أمله بالطرفين لاتخاذهما «خطوات أحادية غير مفيدة». من جهة ثانية، أعلن أن الاجتماع الثلاثي بين الوفدين الفلسطيني برئاسة كبير المفاوضين صائب عريقات، والإسرائيلي برئاسة تسيبي ليفني، والمبعوث الأمريكي الخاص لعملية السلام مارتن أنديك لم يحقق أي تقدم في المفاوضات بين الطرفين. نتائج الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي عقد بمقر الجامعة العربية في القاهرة بناء على طلب من الرئيس محمود عباس لم تكن بعيدة عن مضمون بيان القمة العربية في الكويت في شهر مارس الماضي، حيث جرى التنديد بالإجراءات الإسرائيلية والتأكيد على الدعم السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني، غير أنه أكد على الاستمرار في تبني خيار السلام والمفاوضات. من الواضح أن إسرائيل تستفيد من الضعف والانقسام الفلسطيني والعربي الراهن، كما تستثمر الضغوطات الأمريكية على الجانب الفلسطيني، من أجل إجبار الرئيس محمود عباس على تقديم التنازلات، دون أن تلزم نفسها حتى بتنفيذ ما وافقت عليه. نتساءل هنا: إذا كانت إسرائيل ومعها الولاياتالمتحدة جادتين في تبني قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، فلماذا لم تنفذ القرارات الأممية حول القضية الفلسطينية، ولماذا رد الفعل المتشنج على مجرد انضمام فلسطين إلى اتفاقيات ومعاهدات دولية ذات طابع حقوقي، ولماذا تحتكر الولاياتالمتحدة إدارة عملية المفاوضات بعيدا عن أي مشاركة ورقابة من قبل الأممالمتحدة وهيئاتها المختلفة؟.