تخيلت أن ميسون بنت بحدل بن أنيف زوج معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه حظيت بمنزل من منازل وزارة الإسكان التي تقيمها للمواطنين، ولعل وزارة الإسكان لا تعلم أن ميسون سيدة ريفية تعشق البر وتحب الفضاء المفتوح، وما زالت ترعى أغنامها وتحلب ناقتها وتداعب قططها وكلابها، ولذا لم تأخذ الوزارة هذه الخصائص في عين الاعتبار عندما أوكلت لشركة عربية مستثمرة تصميم منازل السعوديين في كل المناطق وفق رؤية مدنية، وربما لبنانية، كون مكتب الشركة في بيروت، وتقاضت على التصاميم ما يزيد على المليار، ما يعني نصف ميزانية الوزارة التي لن تنال من وزارة المالية سوى ما يقارب مليارين ونصف المليار سنويا، وبحسب ما تنجز تسدد لها المالية حتى لا يذهبن بكم الظن إلى أن وزارة الإسكان قبضت 250 مليارا دفعة واحدة، فهناك مسؤولون في المالية يدققون على كل هللة تصرف لأي جهة، الشركة العربية المعنية بالتصاميم، وربما بعض مسؤولي وزارة الإسكان لم ينتبهوا للخصائص البيئية والجغرافية والسكانية، ولم يضعوا في اعتبارهم المهن والحرف، فهم يظنون أن طالبي السكن في الباحة بأكملها (مثلا) يتقاطعون مع طالبي السكن في جدة، وبهذا تخيلوا مثلي أن مواصفات ومساحات البيوت التي سيحظى بها المواطنون ملزمة، فالقرويون أمثالنا والبدو أمثال جيراننا سيقطنون الفلل الفخمة المكونة من دورين، الأرضي مفتوح لاستقبال الضيوف وإكرامهم ونومهم، والثاني للعائلة، والمطبخ 4×4 هذا إن أكرمونا، وبما أن الضيافة عنوان عند كثيرين، فكيف ستطبخ ميسون عشاء الضيوف في مساحة محدودة، وأين ستبيت أغنامها، وكيف تؤمن (parking) مريح للناقة، وإن افترضنا أن وزارة الإسكان وفرت لميسون كل المواصفات، فلا ريب أنها ستضيق ذرعا بهذه الجدران الخانقة والمساحات المحدودة وستصدح بتغريدة إلى وزير الإسكان شويش الضويحي تقول فيها (لبيت تخفق الأرياح فيه، أحب إلي من قصر منيف، وأصوات الرياح بكل فج، أحب إلي من نقر الدفوف، وكلب ينبح الطراق عني، أحب إلي من قط أليف)، تخيلت فقط والخيال بضاعة العاجزين عن التمام.