جاء التقديم لمنتدى جدة الاقتصادي لهذا العام بالمقدمة الآتية: «يناقش منتدى جدة الاقتصادي لعام 2013 ثماني جلسات علمية، تركز على إيجاد حلول مبتكرة لمشكلة الإسكان التي أصبحت من أبرز المشكلات التي تعاني منها المملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربي، والعالم بشكل عام»... المنتدى، والمقدمة، والموضوع، لا تدل إلا على الفشل، لأن دول الخليج العربي، والعالم بشكل عام، لا تعاني من مشكلات في الإسكان كما نعاني نحن في السعودية... فإذا كانت الحكمة المتداولة «أن أي موضوع يُراد له الفشل أن يُشكل له لجنة»، فالحكمة المستجدة يمكن أن تكون: «أي موضوع ثبت فشله، أو أريد تعويمه، فأقم له منتدى أو جلسة حوار»... كان الأجدر أن يكون عنوان المنتدى «لماذا فشلت وزارة الإسكان في السعودية في حل مشكلة الإسكان، على رغم توافر جميع عناصر النجاح غير المتوافرة في الخليج العربي والعالم بشكل عام؟»... السكن في السعودية لا يحتاج إلى وزارة أو هيئة أو إدارة مستقلة، ناهيك عن جمع من المتحدثين والرعاة لمنتدى علاقات عامة يزيد الطين بلة. فشلت وزارة الإسكان بكل بساطة وصراحة، وأسف أيضاً، في تنفيذ أمر ورغبة ملك البلاد في تعمير 500 ألف وحدة سكنية، ورصد 250 ألف مليون، في دولة تتعدى مساحتها «مليوني كيلو متر مربع»، فما كان منها إلا أن تستعير وسائل الوزارات الأخرى في تعويم الفشل، مؤتمرات ومنتديات ومقابلات وتصريحات و«جنازات يشبع المؤتمرون فيها لطماً» وتصفيقاً... هل تحتاج وزارة الإسكان إلى حلول مبتكرة؟ وما الابتكار المطلوب؟ مساكن تحت الأرض أسوة بالزواحف مثلاً؟ هذه إسرائيل، لا تملك الأرض بل تغتصبها، ومعظم الظن أنها لا تملك المال، ومع ذلك تم بناء آلاف الوحدات السكنية... لم تنتظر إسرائيل أن تنتهي مشكلة الأرض لكي تقرر أين يسكن أبناء الشعب اليهودي المستقدم من الشتات والمتزايد بالتوالد، بل قررت الحكومة الإسرائيلية المضي في خططها الإسكانية والتسكينية، على رغم جميع قرارات الأممالمتحدة في رفض سياسة الأمر الواقع، متسلحة - أي الحكومة الإسرائيلية - بسلاح «إذا اصطلح العرب فلكل حادث حديث»... يا سادة، يقول شبنهور: «العالم إرادة». جلست قبل أيام إلى نفر من أصحاب الفكر، وتساءلنا عن سبب تأخر مشروع الإسكان، الذي يفترض أنه حصل على ثلاثية التنفيذ: «الإرادة الملكية؛ الموارد المالية؛ والإدارة التنفيذية»... اختلفنا في الأمر قليلاً، فمنا من شكك في أن وزارة المالية وفرّت المبلغ أساساً، وبالتالي لم يكن أمام وزير الإسكان من بدٍ سوى التذرع بأعذار واهية لم ولن يقتنع بها أحد، حتى الوزير نفسه، البعض منا شكك في قدرة وزارة الإسكان في إدارة مثل هذا المشروع الاستراتيجي الذي ولد ميتاً... أما عدد لا بأس به من الحضور فأرجع الأمر إلى أشبه ما يكون بنظرية المؤامرة، إذ أكد أولئك أن السبب هو «اللوبي العقاري»، الذي يشكل اليد الخفية في جميع مفاصل الحركة الاقتصادية والاجتماعية المحلية، وليس من مصلحته دخول 500 ألف وحدة سكنية سوق العقار، بعد أن «زانت» الأمور وتحسنت الأحوال بصدور تنظيم الرهن العقاري. مهما يكن السبب خلف تأخر المشروع الوطني للإسكان، لا تحتاج الوزارة إلى ابتكار أو إبداع البتة، ولا إعادة اختراع العجلة... كان بإمكان الوزارة أن تستعين بشركة «أرامكو» السعودية التي سبقت الجميع في بناء وتأجير وتمليك المساكن للمواطنين من عمال الشركة... فإن لم ترغب وزارة الإسكان «الموقرة» في التعامل مع «أرامكو» لأي سبب، فوزارة الدفاع من الوزارات ذات السبق في بناء مدن عسكرية شاملة وبمواصفات عالمية... وإذا كانت وزارة الإسكان «المحبوبة» لا ترغب في التعامل مع القطاع العسكري، فلتستعن بالهيئة الملكية للجليل وينبع التي بنت مدينتين صناعيتين قبل 30 عاماً، وتملك الخبرة والمعرفة، لكن الأكيد أن الوزير والوزارة لا يريدان أن ينهيا مشكلة الإسكان، فالمثل الشعبي يقول: «المشتهي يقطع المستوي»، أو أنهما ليسا في عجلة من أمرهما، لأن «في التأني السلامة وفي العجلة الندامة». وزير الإسكان، والله أعلم، قرر إستراتيجياً أنه لن يبني المساكن حتى تحل مشكلة البطالة، ووزير العمل لن يحل مشكلة البطالة حتى تحل مشكلة التعليم، بتوافق مخرجاته مع مدخلات سوق العمل - المقصود مخرجات التعليم وليس مخرجات الوزير - وهنا يقف في العقبة، هل المقصود التعليم العام أم التعليم العالي؟ فإن كان التعليم العالي، فهل المطلوب التعليم العالي المحلي، أم المأمول التعليم العالي العالمي، وعودة المبتعثين؟ كل هذا، ووزارتان مهمتان تنتظران الأمر الفصل: وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية... وزير الصحة لديه أفكار ومشاريع ومستشفيات، ووزير الشؤون الاجتماعية لديه حلول جاهزة و«بطاقات صراف» للفقراء ووزارته على أهبة الاستعداد لحل مشكلة الفقر، ولكن كلا الوزيرين، وكلتا الوزارتين، ينتظران الإسكان... الصحة تريد معرفة أين ستقع مدن الإسكان لتقديم الخدمات الصحية لمستحقيها، والشؤون الاجتماعية تريد أن تعلم، هل ستضم مدن الإسكان شرائح الفقراء، أم «الدخل المحدود»، أم شرائح الأغنياء؟... البعض يرى أن وزير الإسكان أكثر حكمة، لأنه لن ينهي مشكلة الإسكان حتى ينسق مع وزيري النقل والاتصالات، ويتم تعيين مدير للسكك الحديدية، ورئيس للنقل الجماعي، واختيار رئيس للاتصالات السعودية، لأن خطط المواصلات والاتصالات مهمة لمدن الإسكان... لا بأس في كل ما سبق، الخوف كل الخوف أن يُبقي وزير الإسكان المشكلة حتى يتم إصلاح الخطوط «السعودية»! سبق أن جادلنا بأن الوزارات المركزية ترهلت وشاخت ولن تخدم المجتمع، ولكن هذه مسألة أخرى سنتناولها في مقال منفصل ومفصل، وحل مشكلة الإسكان يكمن ويمكن عن طريق الإمارات وأمراء المناطق... دعونا نتخيل أن مشروع الإسكان الوطني، الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين، سُحب تنفيذه من وزارة الإسكان وأُعطي لأمراء المناطق، وتم تقسيم عدد الوحدات السكنية على المناطق بحسب نسب السكان مع إعطاء الأولوية للمناطق العشر قبل المناطق الثلاث الرئيسة... نجزم بأن المشروع سينجز في مدة لا تزيد على ثلاثة أعوام، ويكفي وزير الإسكان أن يشارك في قص أشرطة افتتاح تلك المدن. قصة السكن التي أصبحت ملحمةً، ومسلسلاً تركياً أو مكسيكياً، لن تحل إلا بأحد ثلاث طرق: الأولى: سبق شرحها، وهو تولي أمراء المناطق مشروع الإسكان، كل بحسب نصيب منطقته، يتم توزيع الأعداد على المحافظات... الطريقة الثانية: أن تتولى شركة أرامكو السعودية التصميم والتنفيذ والإشرافين الفني والمالي، ف«أرامكو» تملك المعرفة والخبرة ومن خلالها، أيضاً، تأتينا الأموال، يعني «سمننا في دقيقنا»، كما يقول المثل الشعبي. أخيراً: على وزارة الإسكان أن تسمي الأمور بأسمائها وتترك عنها كثير من الأعذار الواهية التي لم ولن يقبلها المجتمع، وتعترف بأنها فشلت. يقول المثل: "صاحب الحاجة أعمى ولا يرى إلا قضاءها"، ونحن في أمسّ حاجة إلى تلك الوحدات التي أمر بها الملك واستبشر بها الشعب. فلماذا تصر وزارة الإسكان على أن تكون مثل الوزارات الخدمية الأخرى في إمعانها في إحباط المواطن؟ وزارة جدية، أو مستجدة، ووزير فطن جديد، وكان حرياً بهم أن يزيدوا من فرح وبهجة الشعب بتنفيذ الإرادة الملكية، أما المؤتمرات والمنتديات والخطب والخطط، فسبقهم بها الوزراء الآخرون، وكانت ومازالت عنوان الفشل. * باحث سعودي. [email protected]