يقارب رئيس المركز العالمي للتجديد والترشيد الشيخ الدكتور عبدالله بن بيه بين دفتي إصداره الجديد «تنبيه المراجع على تأصيل فقه الواقع»، قضية التجديد في الفقه الإسلامي، والحاجة المتنامية إليه في زمن تداعيات الربيع العربي. ويمثل الكتاب أحد روافد فكر التجديد، الذي ينتهجه الكاتب ضمن جهوده المتواصلة لفض حالة الاشتباك المزمن بين النصوص الدينية ودلالاتها وطريقة قراءتها من جهة، والمستجدات المتسارعة للعصر الحديث، التي تتأثر وتؤثر في الواقع وتملي عليه متطلبات جديدة من جهة أخرى. ويبدو أن الكتاب موجه بشكل أساسي إلى النخب الثقافية والفكرية، إذ أنه يتمتع بلغة رصينة تحمل ثقلا في المضمون وأسلوب الطرح. وتكمن أهمية العمل في أنه يلامس مشكلة فوضى اجتزاء النصوص والاجتهادات العبثية والأخذ بمعانيها الظاهرة، وتحميل الواقع نصوصا أو أحكاما؛ دون اعتبار للمقاصد الرئيسية للإسلام، أو النظر إلى كليات الأمور، وأصول استنباط الأحكام، وتقديم المصالح، وأولها السلم، لدى عرض القضايا على ميزان المصالح والمفاسد. كما يقدم رؤى تستند إلى منهج الاستدلال الكلي في تحليل الواقع القائم، تبعد القارئ عن الفروع لتنحى به نحو الأصول في مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتشريع وتشكيل الاقتصاد والمجتمع. ويقدم بن بيه إطلالة على أسس فهم الواقع وتشكيل السلطة، طارحا مقاربة تشكيل السلطات في المجتمع الغربي، الذي يعتبر المغالبة أصلا والصراع الفكري والطبقي والاقتصادي بمختلف أشكاله وسيلة، كما يمثلها هيغل في فلسلفة «التدمير من أجل التعمير»، بغض النظر عن مفهوم المصالح والمفاسد. أما مقتضيات القيم الإسلامية، فإنها تفضل المصالحة على المكافحة، وترشح الوسائل التي تتلاءم مع المصالح وتحافظ على الأنفس والأموال والابتعاد عن الحروب الأهلية. ويتمتع الكتاب بتنوع الأفكار ومقاربة قضية التجديد من مختلف الجوانب المحيطة بها، مستشهدا بمجموعة واسعة من آراء الفقهاء والمفكرين والفلاسفة العرب والمسلمين والغربيين، القدامى والحاليين. كما يقدم إضاءة على منهجية التعامل مع النصوص في المواءمة بين مقتضيات الوحي ومدلولات الوحي، والانتقال بذلك إلى قراءة عقلانية للواقع. فكثير ممن ينهضون بإحداث التغيير من أهل الثورات يعانون من قصور ثلاثي يشمل إدراك الواقع، وفهم تأثير الواقع في الأحكام الشرعية في الجملة، وكذلك التعامل مع منهجية استنباط الأحكام بناء على العلاقة بين النصوص والمقاصد وبين الواقع. ويهتم الثلث الأول من الكتاب بالنظر إلى الواقع وأصول التعامل معه، وتحقيق المناط بفقه الواقع والتوقع، عبر تجديد وتحديث للفقه ومراجعة العديد من الأحكام على مر التاريخ لتلائم الزمان، وهو ما يطلق عليه «التحيين»، مستشهدا بقاعدة «جريان العمل» لدى المالكية، التي جددت فيها مئات المسائل الفقهية؛ استنادا إلى الظروف المكانية والزمنية.