بعد مشوار طويل وحوالي العشرين كتابا، ومنذ «بيت الأرواح» روايتها الأكثر نجاحا، التي صدرت عام «1982» ها هي الروائية الشيلية إيزابيل أليندي تفاجئ جمهورها. في المدة الأخيرة، أصدرت روايتها الجديدة «لعبة رايبر» التي جاءت مختلفة عن نمط كتابتها. الرواية الجديدة تقتحم عالم الأدب البوليسي. وهي بالمناسبة، روايتها الأولى ضمن هذا النوع الأدبي الأكثر شهرة والأكثر قراءة في العالم. ورغم أن الإقبال كان هائلا في العالم الإسبانوفوني والأنكلوفوني، فإن الكثيرين من عشاق أليندي لم يستسيغوا بعد أن تتحول كاتبتهم المفضلة من عوالمها الواقعية السحرية إلى عالم الإجرام والإثارة. فكان لازما عليها أن تبرر هذا التحول المفاجئ. تعيش إيزابيل أليندي في الولاياتالمتحدة منذ عام 1993، وتبلغ من العمر واحدا وسبعين عاما. يتشكل معمارها الإبداعي من كتب روائية ومقالات ومذكرات، تتذكر في كل مناسبة منفاها في فنزويلا. حينما كانت تكتب فجرا قبل الذهاب إلى العمل. تقول عن تجربتها: «في ذلك الوقت، لم أكن خائفة من أي شيء؛ لأنني لم أكن أعرف في عالم الناشرين والوكلاء والعقود. لكن هذه البراءة فقدتها تدريجيا. أتمتع بالكثير من الحرية في الكتابة، غير أنني أتأسف على الكاتب الغفل، الذي لا يعرف إلى أين يلقي بنفسه». صدرت روايتها الجديدة (لعبة رايبر) في إسبانيا وأمريكا اللاتينية بداية شهر يناير. وتحتل الآن صدارة المبيعات. تستحضر فيها قصة مراهقة، تدعى أماندا المولعة بلعبة رايبر، التي تنطلق في عام 2012 لإجراء تحقيق في الجرائم التي ارتكبت في سان فرانسيسكو. الشخصية الشابة ذات طابع براغماتي، لهذا تتعارض أفكارها مع أفكار أمها «إنديانا» المعالجة الروحانية. تدور أحداث الرواية في عام 2012، وهي غير معنية بتاريخ مرحلة معينة بقدر اهتمامها بجرائم تحدث في سان فرانسيسكو. هذه الجرائم ملغزة بالنسبة للجميع ولا أحد استطاع تشفير أسبابها ولا مرتكبها، لكن مجموعة من الشباب، وعلى رأسهم أماندا، لديهم خبرة ومعرفة بعالم الإنترنت، سيتحولون إلى محققين بوليسيين، أطباء شرعيين، خبراء في الأسلحة، أو كيميائيين يتحدثون عن السم وطرقه وأنواعه. سيقدمون مساعدة مهمة للمفتش بوب مارتن كي يتوصل إلى الجاني الرئيسي. تتألف أسرة جاكسون من امرأتين: انديانا، وأماندا، الأم وابنتها، ترتبطان معا ارتباطا وثيقا، لكنهما مختلفتان كما الليل والنهار. إنديانا، تعمل معالجة تقليدية، تعيش حرة وفخورة بحياتها رغم زواجها المبكر جدا وانفصالها عن والد أماندا. أما البنت أماندا، فهي مثل والدها، الذي يعمل مفتشا في إدارة شرطة سان فرانسيسكو، شعبة التحريات الإجرامية. كانت مفتونة بالجانب المظلم من الطبيعة البشرية. تفضل حياة الانطواء والقراءة بنهم، كما تتميز بموهبة استثنائية في التحقيق الجنائي، تستهويها لعبة رايبر على الإنترنت المستوحاة من شخصية جاك السفاح، اللعبة التي يجب حل ألغازها الغامضة. عندما هزت المدينة سلسلة من جرائم القتل الوحشية، انخرطت أماندا بحماس في التحقيق بحثا عن القاتل، وتقديمه للعدالة، لكن فجأة تتحول اللعبة إلى قضية ومغامرة خطيرة العواقب، عندما تختفي إنديانا، فيتم ربط اختفاء الأم بالسفاح الذي يحوم شبحه المرعب فوق سماء سان فرانسيسكو. وهنا تنتقل البطلة ورفاقها السيبرنيطقيين من العوالم الافتراضية إلى عالم الواقع المأزوم بألغاز أكثر تعقيدا من اللعبة نفسها، وبالتالي يجدون أنفسهم على محك إيجاد حل سريع ونهائي قبل فوات الأوان. تعترف أليندي أنها وجدت مساعدة كبيرة لأن المعلومات متوفرة على الشبكة، لكنها وجدت صعوبة بالغة في تتبع الحبكة وبلورتها إلى النهاية «الرواية في 462 صفحة» خصوصا أنها من النوع الذي لا يخطط لكتابة رواياته، بل ينساق وراء سرد مبني على العفوية والتداعي والحدس: «يجب أن يتوفر سلفا كتاب هذا النوع من الرواية على العناصر المنظمة جميعها؛ لأنه من الضروري وضع المفاتيح كلها، لما سيحدث فيما بعد» ثم تضيف أليندي: «لكن التخطيط لا يصلح لي. كتبت عشرين كتابا خلال ثلاثين عاما، ولم أتمكن أبدا من وضع تخطيط مسبق. هذه طريقة ناجحة إذا صدقنا المبيعات، لكنها تأخذ مني جهدا أكثر. لأني أتقدم في الكتابة بشكل دائري وليس بطريقة مستقيمة وواضحة». إذا كان الكتاب ينصف هذا النوع الأدبي البوليسي، فإن العدد الكثير من الشخصيات والطابع والأهمية الكبيرة الممنوحة لمعتقدات «العصر الجديد». يحيل مباشرة إلى أسلوب المؤلفة في «بيت الأرواح». ورغم أن الكاتبة تصر في لقاءاتها الصحفية الأخيرة على أن الواقعية السحرية كما هي عند رائدها غابرييل غارسيا ماركيز لم تعد أسلوبا أدبيا حاضرا بقوة؛ لأنه لم يعد موضة أدبية. وبهذا الصدد، قالت اإيزابيل أليندي: «ما زلت إلى اليوم متهمة بالواقعية السحرية، ولكن الحقيقة هي أنني لم أعد أستخدمها في كتابتي. هل ينبغي أن نسمى الواقعية السحرية الوخز بالإبر أو التنجيم؟ لا أعتقد ذلك، لأننا نمارسهما، هنا، كل يوم». ثم تضيف: « هذا غريب. عندما يتعلق الأمر بأشياء تحدث في الولاياتالمتحدة لا نتحدث عن الواقعية السحرية، لكنها عندما تحدث في أمريكا اللاتينية حينئذ تصبح واقعية سحرية». كما تعترف أليندي أنها كتبت الرواية للسخرية من هذه الموضة وهذه التمثلات المسبقة. مع لعبة رايبر، أعطت إيزابيل اليندي لسردها طعما جديدا، بحيث أظهرت قدرة لا تنضب على تجديد أسلوبها وموضوعاتها، بل صممت لعبة من التشويق والإثارة. وكما في رواياتها السابقة، تعالج هذه اللعبة موضوعات كونية مثل البيئة، والدفاع عن القيم الاجتماعية، ونبذ العنصرية والتهميش وموضوعات أخرى كعلم الأبراج وطرق العلاج بالأدوية الطبيعية ووظائف الدماغ وغيرها. كما تستعين بعوالم الإنترنت وأسراره الكثيرة. لم تكتب أليندي رواية بوليسية شبيهة بأقلام كتابها المكرسين، مثل نانسي درو، أو أغاثا كريستي، أو رش باربرا كارتلاند، أو جيمس باترسون، أو توم كلانسي، أو هنينغ مانكل.. وإنما كتبت روايتها البوليسية الخاصة، هي مزيج من القصة البوليسية والملحمة الرومانسية. وهذه الخلطة لا تعرف أسرارها غير إيزابيل أليندي الحكاءة الساحرة.