يروي أحد كبار رجال التربية والتعليم في إحدى الدول العربية أن رئيس المؤسسة المانحة لشهادة الجودة (الإيزو) قال له إن بوسعه أن يعطي مصنعاً للسيراميك شهادة الجودة في صناعة السيارات لأنه ببساطة شديدة لا يقيّم المصنوع نفسه، لكنه يقيّم أساليب الصناعة والإدارة تبعاً لمعايير ثابتة درست ووضعت وتم تبويبها سلفاً. وهذا ما يفسر علامات التهكم على بعض شهادات «الإيزو» التي تمنح لبعض المنتجات وهو ما نحتاج لفهمه كمدخل إلى حاجاتنا لمؤسسات الاعتماد الأكاديمي. وما ذكره رئيس «الإيزو» حقيقة لا يدركها معظم رجال التعليم مهما علت ثقافاتهم، فقياس الجودة في التعليم ليس في منتج المناهج كما هو سائد في أدبياتنا، لكنه يتوجه إلى معايير تفاعلية أكثر فعالية وشمولية. وقضية الجودة في التعليم أصبحت «أسطورة» كطائر العنقاء لأنك تنفق المال وتفتح المزيد من المدارس وترسل البعثات، لكن يبقى التعليم أكثر تراجعاً من أي وقت مضى!! ترك التعليم يتراجع على مدى أربعة عقود جعل المسائل تتعقد والملفات تتراكم والأخطاء تتجذر، وبالتالي فإن الإصلاح أصبح أكثر صعوبة وكلفة، وجاء الوقت ليدفع الجميع ثمن الوقوف متفرجين طوال هذه الفترة. يعتقدون بأن الإصلاح لا يعدو حزمة من القرارات الإدارية، وهذا هراء، فالإصلاح له ثمن باهض لابد أن يتحمله الجميع، لكن في اعتقادي أن لا أحد يريد دفع نصيبه من هذا الثمن. نريد الشيء ونقبضه في الوقت نفسه، نريد معلماً ممتازاً لكن ياويلك ويل يامن تقيس مستواه، أو تطالبه برفع تأهيله ليتوافق مع الحد الأدنى من العملية التعليمية!! الإشكالية اجتماعية .. وليست تعليمية فقط.