يظل تطوير بيئة العمل تحديدا من أهم محددات العمل التنموي بما يشمل ذلك من عناصر كثيرة ومتعددة، تصب جميعها في صالح تشغيل المواطن وخفض معدلات البطالة. فما يفرزه سوق العمل من هضم لحقوق الموظفين باستغلال ثغرات النظام أو عدم اكتمال نضجه في مسألة الرقابة على وجه التحديد في عدد من المسائل ومنها على سبيل المثال ساعات العمل والحد الأدنى للأجور والتشغيل في أيام الأعياد والعطل الرسمية وسهولة الانفكاك في العلاقة التعاقدية وغيرها الكثير مما لا يتسع المجال لذكره، تعمل ومن حيث لا نعلم على تشويه سوق العمل بما تشكله من ميزة لصالح كل من القطاع الخاص والوافدين وعيب في ذات الوقت من عيوب المواطن بما يعصف بعملية التوطين في العملية التشغيلية برمتها. وقد نفصل الحديث مستقبلا عن معظم هذه العوامل نظرا لأهميتها في تشكيل واقع بيئة العمل المحلية ولعل واقع العلاقة التعاقدية بين القطاع الخاص والعامل الوافد والمواطن على حد سواء أحد أهم المجالات التي لا تزال بحاجة الى مراجعات مستمرة ومتواصلة من حين لآخر بهدف توجيهها نحو الأفضل. كونه الأقل تغيرا في قرارات الحكومة أو الأصعب بتعبير أدق. فسهولة فك العلاقة التعاقدية وهنا أعني مع الوافدين تحديدا التي تنتهي بتصفية مالية غير ذات قيمة بالنسبة للقطاع الخاص تعتبر أحد العوامل الجاذبة للتعاقد مع الوافدين فغالبا الوافد لا يبقى فترات طويلة للعمل وخصوصا العمالة التشغيلية في مشروعات البناء والتشييد ومعظم مشروعات البنية التحتية وما يرتبط بها من وظائف إشرافية تحديدا وفي كل مرة بنهاية المشروع أو عند رغبة الوافد بالعودة إلى وطنه يحرص على التصفية المالية خشية عدم القدرة على العودة ما يعني عدم تراكم المستحقات المالية لفترات طويلة، وفي كل مرة يعود الوافد للعمل في السعودية تكون عودته تعاقدية صرفة ضمن أجر جديد غالبا ما يكون منخفضا بالإضافة الى استمرار سهولة إنهاء التعاقد معه في أي وقت، وهكذا بحيث يتم تدوير التعاقد مع كل مشروع تنموي ومع كل تعاقد جديد أو عودة للوطن الأم، وجميعها ترجح كفة الوافد على المواطن الذي يبقى بعيدا عن دائرة التشغيل لسنوات عدة. ولا تتضح خطورة هذه الدائرة المفرغة من المواطنين بغير الاطلاع على واقع التعاقد مع المواطن، فالتعاقد مع المواطن على سبيل المثال وبمجرد التجديد لأكثر من ثلاث سنوات تكسبه صفة الموظف الدائم الذي تنطبق عليه قوانين وأنظمة العمل السعودية وخصوصا في قضية نهاية الخدمة والفصل التعسفي والتي لا يواجهها القطاع الخاص مع المتعاقد الوافد الذي حتى وإن استمر يعمل معه لأكثر من ثلاث سنوات فسيرحل غالبا خلال هذه المدة أو بعدها ولن تسري عليه بقية التزامات العلاقة التعاقدية ومنها مكافأة نهاية الخدمة كمثال والتي إن سرت فإنها لا تكون ذات قيمة باعتبار سنوات الخدمة والأجر الذي يتقاضاه الوافد في حدود معدلات منخفضة جدا، كما أن التعاقد مع المواطن بهدف إدراجه ضمن هذه الدائرة التشغيلية لإنجاز أحد مشروعات التنمية لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع باعتباره عملا مؤقتا، فيما التعاقد مع المواطن يحتمل صفة الديمومة ما يجعل القطاع الخاص ينفر على وجه العموم من التعاقد مع المواطن ويتحايل على الأنظمة بهدف التعاقد مع الوافد وكذلك ينفر المواطن هو الآخر من التعاقد لانخفاض معدل الأمان الوظيفي وانخفاض الأجر باعتبار أن طبيعة الأعمال دورية مؤقته ولن تكون ضمن المهام ذات الأجور العالية. إن ما أريد الإشارة إليه تحديدا أنه كلما ضعفت الرقابة على تمكين الوافد من حقوقه المعنوية قبل المادية وسهولة الانفكاك من العلاقة التعاقدية معه زادت رغبة القطاع الخاص في التعاقد معه في مقابل المواطن وكلما زادت الرقابة وتمت إعادة صياغة القوانين بما يحفظ حقوق الوافد ويصعب من الانفكاك من العلاقة التعاقدية معه ضعفت رغبة أو فائدة القطاع الخاص في التعاقد مع الوافد لصالح المواطن. ولذلك فإن العمل على إعادة صياغة العلاقة التعاقدية بين القطاع الخاص والوافد ربما تغير من المعادلة لصالح المواطن بحيث تضمن للوافد حقوقه الإنسانية المادية والمعنوية بما يمكنه من الحصول على الأجر العادل ولا يستغل حاجته في بلده للقبول بأي عرض وعدم استغلال غربته في التشغيل لساعات طويلة أو القيام بأكثر من وظيفة أو إنهاء التعاقد معه بتكلفة مالية زهيدة كفيلة بلا شك بترجيح كفة الميزان لصالح المواطن خلال الأعوام القادمة ومن ثم امتصاص معدلات البطالة. * أكاديمي وباحث في قضايا التنمية المستدامة