لست متأكدا إن كانت فتنة (النجومية) قد لحقت ببعض الدعاة أم لا؟ كما أنني لست متأكدا مما إذا كان البحث عن النجومية عيبا، أم أنه من حق أي شخص أن يكون (نجما) وأن يفرح بالتصفيق والتشجيع وارتفاع الأعناق لطلته على المسارح وشاشات التفزيون؟! واسمحوا لي بسؤال آخر: لماذا يستكثر على داعية ما أن يعنى بالنجومية وبهائها وملابسها وحتى (مكاييجها) ولا يستكثر على غيره من الناس هذا اللهاث الحثيث خلف الجماهير وصفوفها؟! أنا، شخصيا، أرى أن حبك لاحتشاد الجماهير لتسمعك أو تنظر إليك أو تظفر منك بكلمة هو حالة بشرية نفسية تصدق على كل شخصية عامة، أيا كان عملها أو نشاطها. ولا يفترض أن نفرق في حقوق الجماهيرية هذه بين شخص وآخر، لمجرد أننا نصنفه على هذا الخط الثقافي أو ذلك الخط الاجتماعي. من اجتهد وعمل بإخلاص وقدم ما ينفع الناس فمن أبسط حقوقه أن يحترمه الناس ويفرشوا له الأرض وردا ورملا وحتى سجادا أحمر. لكن النجوم، كل النجوم، قد يخطئون في الطريق الطويل والوعر لإثبات جماهيريتهم، فالجماهيرية، ليس المقصود هنا ليبيا السابقة، بئر عميقة تبدو من سطحها مغرية للاكتشاف، وبمجرد أن تضع قدمك على ما يبدو أنه عتبتها الأولى فأنت تعرض نفسك لمزيد من الإغراء، كما تعرضها لمزيد من الانزلاق إلى ربما ما لا تحمد عقباه. ولذلك من العقل ألا تظن، وقد زادت شهرتك وطغت جماهيريتك، أنه لم يعد على الأرض من أحد يستحق الوجود أو الحضور أو الحديث في المسائل العامة سواك، حتى أنك قد تتصور، مثلا، بأن مجتمعا متلاحما ومتراصا قد يتفكك لسقوطك أو نزول إصبعك من منبر التحذير والتخوين، كما كانت الحال مع بعض رموز الإخوان في مصر. الناس، وإن طال بهم الإعجاب والتأييد والفرح بوجودك، مستعدون أن يلفظوك فورا إذا اكتشفوا أنك تخدعهم أو تتلاعب بهم أو تضحك على دقونهم ومصائرهم. وكم من مشاهير في العلم والفن والثقافة طواهم النسيان وهم أحياء، لأنهم لم يحسنوا التعامل مع واقع نجوميتهم فأصيبوا (بالكبر) والغباء ليدفنوا إلى الأبد في مقابر الجماهير التي لا ترحم. ولذلك كان التواضع هو ضالة الإنسان الدائمة، وهو ملجؤه الوحيد من أضرار التهويل لشخصه والأضواء التي لا تفارق وجهه. في التواضع وتقدير النفس حق قدرها منجاة من فتنة النجومية ومن حبائلها التي كما قد ترفعك هي، أيضا، قد تخفضك لتعلم أن الله وحده هو الحق.