بقدر ما تفاجئنا ظروف الحياة بزياراتها المفرحة، حاملة باقات ورد وحلوى، إلا أنها لا تتوانى عن صفعنا أحيانا بقصص وتجارب تغربل أنفسنا وتغسل أرواحنا مما قد يعلق فيها من شوائب الزمان، أو بقايا أثر لأذى البشر. ولأن كثيرا منا يرتكب جريمة الأذى دون قصد أو حتى إدراك لعمق ذلك الأثر الذي يتركه في من آذى، سأكتب لك اليوم يا قارئي العزيز عن صديقتي سجى، والأسرار التي لم تبح بها لمن حولها. فلم يعلم أحد بأن سجى، تلك الفراشة الجميلة التي تحمل روحا شفافة تلتحف الأخلاق وتتحدث لغة الذوق وتزين وجهها بابتسامة الرضى، تتألم منذ أن كانت طفلة تتقن لعبة الاختباء، حتى نضجت واختارت الانزواء بصحبة جراحها. لم يتنبه والداها وهم أقرب الناس إليها في تلك المرحلة الحساسة إلى أنها تواجه مشكلة كأي طفل ضعيف، ولن تقوى على حلها دون تحملهما لمسؤولية الرعاية والمتابعة الدقيقة المطعمة بالحب. لم تدرك عماتها وخالاتها أن مزاحهن وتعليقاتهن في المجالس على تلعثمها في الحديث الذي تجرأت على المشاركة به حين كبرت قليلا، كان يهدم كل محاولاتها لبناء ثقتها في نفسها كي تواجه العالم الخارجي. أما صديقاتها وزميلاتها في الجامعة، فلم يفهمن يوما سبب تحفظها وتملصها من المشاركة في الحديث عن أحلامها كبقية الصبايا اللائي يحلمن ببيت وزوج وأبناء! لم يعلموا جميعا أنها وبالرغم من حاجتها الماسة للحب، قد أوصدت قلبها بقفل ألقت مفتاحه في قاع محيط متجمد، فقط لأنها تعتقد بأنها إن فعلت فستكون سببا في ألم روح بريئة قد تثمرها قصة حب. وبأنها آثرت أن تصادق الوحدة في عالم خلقته لنفسها هربا من نظرات الشفقة التي تمزقها وتبعثرها بقسوة. وبأنها لم ولن تنسى أي إيماءة ساخرة أو تعليق جارح أو موقف آلمها أو دمعة ذرفتها في يوم من الأيام. لكني أقول لسجى ولكل من يعاني من ذلك الاضطراب الذي يأخذ شكل التأتأة أو التلعثم في الحديث، بأني وغيري كثير نعتذر لكم عن انعدام الإنسانية في بعض البشر، وعن كل تلك الآلام التي تسبب بها جهل ذويكم وأصدقائكم لاحتياجكم الجاد للدعم المعنوي والمادي في كل لحظة، وعن كل «لا» و«صه» طمست جزءا من معالم شخصياتكم الجميلة. وتأكدوا بأننا معكم نساندكم ونفخر بقوة صمودكم، ونثق بأنكم ستتجاوزون هذه المشكلة في اللحظة التي تقررون فيها أن تفعلوا. ومهما قسا الزمان وتأخر الفرح وتعثر الأمل، فستشرق حتما شمسكم لتنثر الحب وتدفئ القلوب، وحينها سنقف لنصفق لكم.