«لن أسامح المهملين.. ابني الوحيد ذهب في غمضة عين».. بهذه الكلمات الحزينة الباكية بدأت أم محمد حديثها ل«عكاظ» عن ابنها الذي لم يتجاوز عمره السبع سنوات ولقي مصرعه غرقا في مجرى السيل بالحرازات قبل ثلاثة أيام، وذلك عندما كان يلهو مع أقرانه بالقرب من المجرى. واستطردت أم محمد موجهة حديثها لنا «انظروا لغرفته وأغراضه الشخصية، كان طفلا بريئا لا يعلم ما يتربص به، ومحبوبا من أصدقائه وأفراد العائلة وزملائه في المدرسة ومعلميه وجيرانه». وتابعت «ابني ذهب ضحية إهمال من قبل المسؤولين عن شفط مياه السيل التي استمرت لمدى أربعة أشهر راكدة في الموقع، تنتظر المارين أو المتجولين في الموقع لتبتلعهم دون علم أحد، وأحمد الله أن أصدقاء ابني كانوا بجواره وإلا لما عثرنا عليه حتى الآن ولما كنا علمنا أين ذهب». وقالت أم محمد انها لا تستطيع النوم في المنزل بعد وفاة ابنها وكذلك زوجها لأنهما يشمان رائحته ويشاهدان مكان نومه وملابسه وأغراضه الخاصة. وتجولت «عكاظ» في موقع وفاة الطفل (مجرى السيل) برفقة والد الطفل المتوفى وعمه وجيرانه، الذين افادوا بأن مجرى السيل مهمل منذ فترة طويلة، وأن الحي (الحرازات) عليه أمر إزالة بالكامل عدا بعض المنازل، ما تسبب في إهمال الحي واكتسائه بالظلام الحالك في الليل، ما يسبب خوفا للساكنين في الموقع. وأكد والد الطفل المتوفى أنهم تقدموا بشكوى لأمانة محافظة جدة قبل وفاة الطفل بأسبوعين ببلاغ رقم (35020832) يفيد بأن الموقع يشكل خطرا كبيرا على الأهالي، وقد يتسبب مجرى السيل في ابتلاع أشخاص لا سمح الله. وأضاف: تعاملت الأمانة مع شكوانا بالتجاهل ولم تحضر للموقع ولم تطوق المجرى أو تشبكه لمنع المارة من السقوط خاصة في الظلام الحالك لأن الموقع بين المنازل ولا يمكن لأحد مشاهدته إلا إذا أمعن النظر. وقال أبو محمد انهم في يوم الحادث قاموا بإبلاغ الدفاع المدني بالحادثة والذي حضر للموقع وانتشل الطفل وكان قد فارق الحياة. وأضاف «حاول أحد الجيران (أبو سامي الحربي) إنقاذ طفلي والمغامرة بدخول مجرى السيل، وبقدرة إلهية لم تبتلعه المياه إلا أنه لم يستطع انتشال طفلي من المياه». وذكر أن التقرير الصادر من مستشفى الملك عبدالعزيز إثر تشخيص جثة محمد أكد أن الوفاة ناتجة عن توقف الجهاز الدموي والتنفس والقلب نتيجة الغرق في مياه السيل. وقال أبو محمد «لن أتنازل عن حق طفلي، وقد وكلت محاميا ليرفع قضية ضد أمانة محافظة جدة لدى المحكمة العامة، وذلك حتى لا يغرق أطفال أبرياء آخرون ولتقوم الأمانة بعملها على أكمل وجه دون إهمال أو تقصير». من ناحيته أفاد أبو عمر (عم الطفل المتوفى) أنه وبعد وفاة الطفل وحضور الدفاع المدني، واستغرابه من ترك مجرى السيل مكشوفا بالشكل الذي هو عليه، حضرت للموقع شركة خاصة لتفتح المجال للمياه المتجمعة لتخفيفها، وقامت أيضا بوضع كمية كبيرة من التراب على بيارات الصرف الصحي، وردم بعض الحفريات العميقة، وتساءل «أين كانوا قبل وفاة طفلنا؟ هل ننتظر وفاة شخص حتى نتحرك، لقد بحت أصواتنا ونحن نتحدث عن خطر المكان المحيط بالمجرى بأكمله وليس المجرى فقط؛ كهرباء مكشوفة، وضغط عال، تصريف مياه الصرف الصحي من قبل صهاريج تحضر من بعد العصر وحتى آخر الليل في غياب الرقابة، حفر عميقة، منازل لم تهدم بالكامل وقد تسقط فوق أي شخص في أي وقت، وإنارة معدومة». وأوضح عوض المالكي (أحد الجيران) أن الموقع خطر جدا خاصة في الليل، فلا حراسة أمنية على الموقع، والمنازل خالية من السكان بسبب الإزالة، ولم توضع شبوك على مجرى السيل تمنع السقوط، ولا توجد إنارة. وفي السياق، اعترف مهندس في الشركة المسؤولة عن الموقع بخطورة مجرى السيل على أرواح الأطفال، وذكر أنه كاد يغرق في المياه عند محاولته إجراء عمليات تصريف المياه. من جانبه أوضح المحامي وليد العوذلي أنه يعتزم رفع قضية ضد الأمانة بخصوص وفاة الطفل محمد أمام ديوان المظالم، للنظر فيها وذلك خلال الأسبوع المقبل بعد انتهاء الإجراءات اللازمة والأوراق الثبوتية التي تهم القضية. وأوضح المحامي أنه سبق وقام الأهالي بمحادثات شفهية مع المقاولين في الموقع وإشعارهم بأنه يشكل خطرا على السكان والأطفال، إلا أن ذلك لم يجد نفعا، كما رفعوا شكوى بعد اتفاقهم مع إمام المسجد لأمانة جدة تشعرهم بالخطر المحتمل لمجرى السيل المكشوف، إلا أن ذلك لم يحرك ساكنا. وأضاف «بعد وفاة الطفل تحركت الجهة المسؤولة للحضور ميدانيا للموقع وردم بعض الحفريات ومحاولة تصريف المياه وشفطها، وإزالة الكهرباء المحيطة بالمجرى».