عشر سنوات مرت على رحيل المفكر الكبير وأستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن في جامعة كولمبيا الأمريكية، الفلسطيني الأصل والأمريكي الجنسية إدوارد سعيد، الذي توفي في 25 سبتمبر 2003 عن عمر ناهز 68 عاما إثر صراعه الطويل مع مرض لوكيميا الدم. إدوارد سعيد كان يمثل بحق المثقف العضوي وفقا لتشخيص المفكر الإيطالي غرامشي الذي يشير إلى حقيقة أن كل إنسان هو إنسان مفكر ولكن ليس لكل إنسان في المجتمع وظيفة المفكر. المثقف العضوي هو من يجسد العلاقة الجدلية والمتداخلة ما بين الثقافة والفكر من جهة والواقع والممارسة والتوجه العام من جهة أخرى. يفترض غرامشي، كل إنسان في النهاية يقوم خارج نطاق مهنته، بنوع من أنواع النشاط الفكري، أي أن يكون فيلسوفا وفنانا وذواقة يساهم في مفهوم معين للعالم ويتبع خطا واعيا للسلوك الأخلاقي، وبالتالي يساهم في دعم أو تطوير مفهوم معين للعالم أي في استثارة طرق جديدة للتفكير. هذا المفهوم ينطبق على إدوارد سعيد الذي كان متعدد المواهب والمعارف والاهتمامات، فهو مفكر ومنظر أدبي وموسيقي وعازف بيانو ماهر، وناقد للفكر الغربي ومن الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الاستعمار (الكولينيالية) كما تميز بشكل خاص في نقده للاستشراق الغربي، إلى جانب انخراطه المباشر في دعم قضية شعبه الفلسطيني من الداخل من خلال عضويته في المجلس الوطني الفلسطيني لعدة عقود أو على الصعيد الأمريكي والمحافل الدولية. كتابه الهام الاستشراق – المفاهيم الغربية للشرق، الصادر في عام 1976، أثار جدلا واسعا لدى الأوساط الثقافية الغربية ما بين مؤيد ومعارض، حيث اتهم إدوارد سعيد الاستشراق بأنه يمثل تحيزا مستمرا وماكرا من دول مركز أوروبا تجاه الشعوب العربية الإسلامية. ويشير «فإذا اعتبرنا القرن الثامن عشر نقطة انطلاق عامة إلى حد بعيد، استطعنا أن نناقش الاستشراق بصفته المؤسسة الجماعية للتعامل مع الشرق، والتعامل معه معناه التحدث عنه واعتماد صورة معينة عنه، ووصفه وتدريسه للطلاب وتسوية الأوضاع فيه والسيطرة عليه. وباختصار بصفة الاستشراق أسلوبا غربيا للهيمنة على الشرق وإعادة بنائه والتسلط عليه»، وقد رد عليه منتقدوه الغربيين من اليمين واليسار باعتباره متحيزا ضد الغرب من منطلق الاستغراب (استشراق معكوس) ورسم صورة نمطية للاستشراق الغربي برمته ودون أخذ الفوارق والدوافع المختلفة للمستشرقين حيث البعض منهم من أمثال برنارد لويس كان مرتبطا بالمصالح الاستعمارية، في حين أن البعض الآخر مثل مكسيم رودنسون كان داعما بقوة لحرية واستقلال دول الشرق. في عام 1993 شارك في تقديم محاضرات ريث المشهورة عالميا والتي تذيعها هيئة الإذاعة البريطانية وظهرت بعد ذلك في كتاب تحت عنوان «صور المثقف» وقد أكد فيه «على وجوب بقاء المثقف أمينا لمعايير الحق الخاصة بالبؤس الإنساني والاضطهاد، رغم انتسابه الحزبي، وخلفيته القومية، وولاءاته الفطرية ولا شيء يشوه الأداء العلني للمثقف أكثر من تغيير الآراء تبعا للظروف، والتزام الصمت الحذر، والتبجح الوطني، والردة المتأخرة التي تصور نفسها بأسلوب مسرحي.