تنعقد القمة الخليجية الرابعة والثلاثون بعد يومين في الكويت، في ظروف إقليمية ودولية متغيرة. وقد أثبت مجلس التعاون أنه قادر على التعامل مع الظروف والاستجابة لتطلعات شعوب المنطقة، وكانت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- بالانتقال من التعاون إلى الاتحاد استجابة لهذا السياق. وفي ظل انعقاد القمة الخليجية في الكويت يومي الثلاثاء والأربعاء، تستطلع «عكاظ» آراء خبراء وسياسيين وأعضاء في مجلس الشورى حول نظرتهم لمستقبل المجلس والعوامل الرافدة للاتحاد وكذلك المعوقات في طريقه. وأكد عدد من أساتذة السياسة أن من عوامل نجاح مشروع الاتحاد الخليجي زيادة مساحة التمثيل الشعبي، معتبرين أن دول الخليج الست من أكثر دول العالم حاجة للاتحاد والتآزر في ما بينها. وشدد المشاركون في ندوة «عكاظ» حول الاتحاد الخليجي على أن التطورات السياسية السريعة في منطقة الشرق الأوسط، وفي ضوء أن المجلس قطع من عمره سنوات طويلة تفرض أن ينتقل المجلس إلى صورة اقوى من صورة التعاون وحسب، مؤكدين أن ما وصل إليه المجلس من تعاون رسمي وشعبي في ميادين كثيرة يعد مقدمة منطقية وديمقراطية للانتقال لمرحلة أوسع وأقوى. ويرى المشاركون في الندوة أن الاختلاف حول بعض القضايا وشكل الاتحاد يعتبر من أهم العقبات التي تواجه قيام الاتحاد الخليجي علاوة على تشابك المصالح الضيقة لكل دولة.. وفي ما يلي تفاصيل الندوة: «عكاظ»: ماذا يعني انشاء الاتحاد الخليجي؟ د. القباع: عندما أنشئ مجلس التعاون الخليجي كان شعب الخليج فرحا ومسرورا بهذه المنظمة التي كان يعول عليها الشيء الكثير وبعد مضي وقت طويل على إنشاء المجلس لم تتحقق كل الأماني لمختلف أبناء الخليج، فالأزمات التي يتوقع المواطن العربي حلها أو مساهمة منظمة التعاون الخليجي، ما تزال قائمة وهي في هذا الوقت أكثر إلحاحا، فالقضية السورية واليمن وأمن الخليج كلها قضايا ملحة. د. صدقة فاضل: لعل من أكثر دول العالم الحالية حاجة إلى الاتحاد والتآزر في ما بينها، هي الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، نظرا لما يربط بينها من روابط الدم والتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، ونظرا لما تواجهه من أخطار فادحة مشتركة، وعلى كافة المستويات. وهذه الدوافع أدت بهذه الدول لبدء «السياسة التعاونية الخليجية» والتي هي: سياسات التقارب والتضامن التي أخذت هذه الدول تتخذها تجاه بعضها البعض منذ العام 1971م (عام استقلال الإماراتوقطروالبحرين) والتي تمخضت عن قيام مجلس التعاون الخليجي، كإطار لهذا التعاون في العام 1981م. وقد اتخذ هذا الإطار شكل «الاتحاد الكونفدرالي»، أو: المنظمة الدولية الحكومية الإقليمية الشاملة.. وما زال على هذا «الشكل» التكاملي. و«الاتحاد الكونفيدرالي» يعنى: قيام دولتين أو أكثر بإنشاء تنظيم للتعاون في ما بينها، في كل المجالات، مع بقاء كل دولة عضو مستقلة، وقائمة بذاتها، ولها الحرية في اتخاذ ما تراه مناسبا من السياسات الداخلية والخارجية ولقد ابتكر علماء ومفكرو السياسة، تحت إلحاح الحاجة لتعاون وتضامن الدول المختلفة في ما بينها، الصيغ الاتحادية (القانونية، السياسية) المختلفة.. التي يمكن أن تحقق الفائدة الكبرى للدول، المتمثلة في الحفاظ على أكبر قدر ممكن من السيادة والذاتية، وفى الوقت ذاته قطف ثمار التضامن والتكامل مع آخرين، من خلال تبني التنظيم والتكتل الدوليين، فاستحدثت عدة صيغ اتحادية، يمثل كل منها اتحادا مختلفا من حيث مدى التلاحم، وطبيعته ونتائجه. وأبرز هذه الصيغ الآن هي: المنظمات الدولية بأنواعها، الاتحاد الكونفيدرالى (أو: المنظمة الدولية الحكومية الإقليمية الشاملة)، الاتحاد الفيدرالي. د. العسكر: كانت مبادرة خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتحويل مجلس التعاون من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد مفاجأة ومتوقعة في آن واحد. مفاجأة لبعض الدوائر الإقليمية والعالمية، إذ كيف يتأتي للمملكة أن تقدم مثل هذه الفكرة الكبيرة التي قد تجابه بمعارضة منطلقة من مصالح آنية أو شخصية، أو تصطدم بمصالح دولية تعيش صراعا أشبه بالحرب الباردة في منطقة الشرق الأوسط. ومتوقعة في دوائر محلية وبعض الدوائر في الفضاءين الإقليمي والدولي، إذ إن تلك الدوائر تعرف مقدار استشراف الملك عبدالله، وقياسا على مبادراته السياسية السابقة، التي وجدت طريقها للقبول في المجتمع الدولي. من هنا يبرز سؤال ما معنى التحول من تعاون إلى اتحاد؟ الإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة كما يتبادر للذهن. ذلك أن الاتحاد بمفهومه الكلاسيكي بين الدول يسعى إلى توطين وترسيخ مفهوم التعاون البناء والايجابي بين الدول التي نضمها منظومة تعاونية. لكن يظل التعاون درجة من درجات الاتحاد. على أن الإشكال يكمن في تحديد نوع الاتحاد وشكله. ومبادرة الملك عبدالله لم تتوسع في هذه المسألة تحديدا. ويظهر لي أنها كانت مسألة مقصودة من صاحب المبادرة. فالمملكة لا ترغب في اقتراح شكل واحد من أشكال الاتحاد المعروفة. ولكنها قدمت المبادرة وتركت آليات تنفيذها للدول المعنية من خلال مجالسها المتعددة ذات العلاقة وجملة القول إن الملك عبدالله باستشرافه لمستقبل المنطقة الخليجية، وفي ضوء التطورات السياسية السريعة في منطقة الشرق الأوسط، وفي ضوء أن المجلس قطع من عمره سنوات طويلة، لا بد والحال كما هي على أرض الواقع أن ينتقل المجلس إلى صورة اقوى من صورة التعاون وحسب. مع العلم أن ما وصل إليه المجلس من تعاون رسمي وشعبي في ميادين كثيرة يعد مقدمة منطقية وديمقراطية للانتقال لمرحلة أوسع وأقوى. لهذا كله فهذه المبادرة تعني لي أن الملك عبدالله يريد أن يرى خليجا أكثر اتحادا، ولنقل اتحادا على شاكلة الاتحاد الأوروبي. خصوصا أنه لم يعد من المقبول أن دول الخليج التي تملك اقتصاديات كبيرة، وتملك موقعا استراتيجيا مؤثرا، أن تبقى تحت مظلة إقليمية تعداها الزمن السياسي المعاصر بمراحل. «عكاظ»: ما النتائج المتوخاة من هذا الاتحاد؟ د. صدقة فاضل: إن الهدف الرئيس لكل من تلك الصيغ، هو: تحقيق درجة معينة من التضامن في ما بين الدول الأعضاء مع الإبقاء على قدر معين من ذاتية واستقلال أولئك الأعضاء. وذلك الهدف يمثل معادلة.. يصعب (ولكن لا يستحيل) تحقيقها، بشكل معقول، يرضي كافة الأطراف المعنية -في كثير من الأحوال- كما هو مألوف، خاصة في بعض مناطق العالم الثالث. د. العسكر: النتائج المتوخاة من الاتحاد في حالة قيامه كثيرة. لعل أبسطها أن تصبح الدول الست بمثابة دولة واحدة خصوصا في فضائها السياسي والاقتصادي والعسكري. ومنها أن تسقط خطط اللعب على مصالح ضيقة وآنية تعود لهذه الدولة الخليجية أو لتلك. ومنها أن يصبح الصوت الخليجي واحدا خصوصا أمام القضايا العربية والدولية الكبيرة. ومنها أن الداخل الخليجي سوف يعالج بعضه بعضا تجاه ملفات ذات صبغة ديموغرافية أو اجتماعية أو اقتصادية، وبالتالي لا يحتاج كثيرا للاتكاء منفردا على دولة كبرى. لا يمكن مقارنة فوائد الاتحاد بفوائد التعاون. الأولى كثيرة وواسعة. وهي محصلة نهائية أو هكذا يجب أن تكون، بينما الأخرى صغيرة ومؤقتة وهي بمثابة مقدمة منطقية لمرحلة أكبر. «عكاظ»: ما العقبات التي قد تعيق أو تؤخر قيام الاتحاد الخليجي؟ د. القباع: من العقبات التي يحتمل أن تعترض الاتحاد الخليجي هو الاختلاف حول شكل الاتحاد الذي يتحدثون عنه ومساحة المشاركة الشعبية ومؤسساتها، فالاتحاد الخليجي المتوقع ينبغي أن يكون اتحادا صحيحا ينظر بشكل جدي للقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومع اننا نشكر الله على ما أنعم به على الخليج إلا أن ما تم إنجازه حتى الآن لا يرقى لتطلعات المواطنين وفي اعتقادي أن هذه المشاكل هي ما سيعيق هذا الاتحاد. د. صدقة فاضل: مجلس التعاون لدول الخليج العربية سيبقى، في ظني، على هيكله التكاملي الحالي، ولا يتوقع له التحول إلى صيغة الاتحاد الفيدرالي. ماذا يعنى إذن الاتحاد في تطوير مسيرته؟! أعتقد أن «الاتحاد» المتوقع والمخطط له يعنى: تعميق عرى التعاون، عبر: إنفاذ كافة الاتفاقيات التي سبق أن أبرمت بين الدول الست الأعضاء، وإبرام اتفاقيات تعاونية جديدة يتم الالتزام بإنفاذها، وخاصة في مجالي السياسة والأمن، مع الإبقاء على ذات الشكل التكاملي الحالي للمجلس. بكلمات أخرى: هناك توجه، وشبه إجماع بين الأعضاء، على ضرورة «توحيد» السياسات الخارجية والدفاعية للدول الأعضاء.وتلك هي الصورة «الاتحادية» التي يسعى للوصول إليها، كما يبدو للمراقبين عن كثب. د. العسكر: عقبات كبيرة تقف أمام قيام الاتحاد يأتي على رأسها ثقافة عربية متجذرة تشي بمقولات وأفعال ضد الوحدة. لم يعرف التاريخ العربي المعاصر وحدة سياسية إلا ما قام به الملك عبدالعزيز من توحيد معظم أقطار الجزيرة العربية في كيان سياسي واجد. وقد تم هذا في عصر يختلف عن عصرنا هذا، وتم على مدار ربع قرن من الجهد والبذل والدماء. ولا يمكن استنساخ تجربة الملك عبدالعزيز لتغير الظروف. على أن هذا لا يعني أن يتجه الخليجيون إلى تجاوز العقبات. «عكاظ»: ما المطلوب من دول مجلس التعاون للإسراع في تأسيس الاتحاد الخليجي؟ د. القباع: هناك فرق بين المسميين مجلس التعاون الخليجي اسم عام لا يخضع لأي توقعات أما كلمة الاتحاد فتعني أن هذا الاتحاد سيقوم إما على التمثيل السياسي الحقيقي لدول المنطقة أو سيتحول لما تحول إليه المجلس في وقتنا الحاضر والناس يتوقعون إذا ما أنشئ هذا الاتحاد أن تتسع دائرة التمثيل الشعبي ومن حسن الحظ أن جميع دول الخليج في هذا الاتجاه. د. صدقة فاضل: إن أفضل وأرقى الصيغ الاتحادية المعاصرة -على الإطلاق- هي صيغة الاتحاد الفيدرالي الذي يمكن أن يعرف بأنه عبارة عن: قيام دولة واحدة، مكونة من ولايات أعضاء متحدة في ظل دستور عام، يوزع السلطة بين الولايات والحكومة المركزية المشتركة.. وبحيث يضمن للولايات حكم وإدارة معظم أمورها الداخلية، بينما تتولى الحكومة المركزية المشتركة إدارة العلاقات الخارجية، والدفاع عن الدولة، وبعض الأمور العامة المشتركة للولايات ككل. د. العسكر: المطلوب من دول مجلس التعاون أن تعير مسألة الاتحاد نظرتين مهمتين: الأولى نظرة إلى الداخل. فشعوب الخليج تكاد أن تشكل شعبا واحدا لا يتوفر للاتحاد الأوروبي ولا غيره. والشعب الخليجي يملك من مقومات الاتحاد ما يجعله يشكل وحدة ديموغرافية واقتصادية واجتماعية واحدة، ولم يبق إلا الوحدة السياسية. فالنظرة إلى الداخل الخليجي تقول إن هذا الشعب يرغب بقوة في الاتحاد، وتقول إن الشعب جاهز للقرار السياسي. أما النظرة الأخرى فهي النظرة إلى الخارج بكل فضاءاته الإقليمية والدولية وتناقضاته وحساباته، تقول هذه النظر أين يقع الخليج ودوله وشعوبه من هذا الخارج؟ نقول إنه يقع في منطقة متوترة بكل المقاييس. وهو قابل لنشوء مشكلات عصية. والحل هو أن يتجه الخليج كله إلى نوع من الاتحاد. ذلك أن التناقضات والحسابات الدولية تجاه دول الخليج ستصطدم بخليج متوحد لا يمكن النفاذ إلى داخله إلا بشق الأنفس. د. زين الدين بري: ان اهم ما تحدثت عنه في الماضي وأتحدث عنه الان في موضوع الاتحاد الخليجي هو إعطاء حق المواطنة الكاملة لكل مواطن خليجي سواء كان في شكل أشخاص أو في شكل مؤسسات. وبالتالي يصبح لأي مواطن خليجي الحق في ان يستثمر أينما يشاء في أي من الدول الخليجية على ان يتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها مواطني تلك الدولة ويلتزم بجميع الواجبات التي تمليها أنظمة تلك الدولة ايضا. ومع هذا فإني ايضا اود ان أضيف انه من المهم توحيد الأنظمة الخليجية التي تهم الاستثمار وفرص العمل. من الناحية الأخرى، فقد نادينا من مدة طويلة جدا من الزمن بوجوب الدخول في مشاريع مشتركة أو حتى فردية ينتج عنها ما نطلق عليه بالتكامل الاقتصادي. وعلى سبيل المثال بناء محطات للتحلية في قطر أو البحرين مع فائض كبير بالمستوى الذي يؤدي الى الجدوى الاقتصادية وتصدير الفائض للمملكة. وهكذا بالنسبة للكثير من المشاريع التي يمكن ان يستفيد منها مواطنو الدول الخليجية كلها أو بعضها. فالأمر لا يستدعي ان توظف المملكة المزيد من الأموال في إنتاج الكهرباء أو إلماء طالما أنها تستطيع ان تحصل عليها من الدول الخليجية المجاورة التي تبني طاقتها مع وجود فائض فيها الامر الذي يحقق التكامل بين هذه الدول. وفي كل الاحوال فقد قطعت الدول الخليجية مشوارا كبيرا جدا في سبيل الاتحاد السياسي والعسكري الذي بلغ ذروته إبان غزو الكويت. وهي بهذا قد بلغت مرحلة الاتحاد السياسي والعسكري بشكل كبير جدا. المشاركون في الندوة: * د. عبدالله بن سعود القباع خبير في الشؤون السياسية. * د. صدقة يحيي فاضل أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبدالعزيز وعضو مجلس الشورى. * د. عبدالله إبراهيم العسكر رئيس لجنة الشؤون الخارجية و عضو مجلس الشورى. * د. زين العابدين بري خبير في الشؤون الاقتصادية وعضو مجلس الشورى السابق.