كثر الحديث مؤخرا عن الرغبة في تحول «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» من مرحلة «التعاون» إلى مرحلة « الاتحاد«، وخاصة بعد دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للتحول إلى مرحلة « الاتحاد « . إن الاتحاد غالبا هو قوة للمتحدين … فما لا يستطيع المنفرد تحقيقه من فوائد منفردا، قد يستطيع تحقيقه متحدا … مع آخرين يشاطرونه نفس الأهداف والمصالح. وهذا ينطبق على دول العالم المعاصر بشكل كبير ومؤكد – تماما كما ينطبق على الأفراد. ولعل من أكثر دول العالم الحالية حاجة إلى الاتحاد والتآزر فيما بينها ، هي الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ، نظرا لما يربط فيما بينها من روابط الدم والتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، ونظرا لما تواجهه من أخطار فادحة مشتركة ، وعلى كافة المستويات. هذه الدوافع أدت بهذه الدول لبدء «السياسة التعاونية الخليجية» التي هي: سياسات التقارب والتضامن التي أخذت هذه الدول تتخذها تجاه بعضها البعض منذ العام 1971 م ( عام استقلال الإمارات وقطر والبحرين ) التي تمخضت عن قيام مجلس التعاون الخليجي ، كإطار لهذا التعاون في العام 1981م . وقد اتخذ هذا الإطار شكل « الاتحاد الكونفدرالي»، أو : المنظمة الدولية الحكومية الإقليمية الشاملة …. وما زال على هذا « الشكل « التكاملي . و»الاتحاد الكونفيدرالي « يعني : قيام دولتين أو أكثر بإنشاء تنظيم للتعاون فيما بينها، في كل المجالات، مع بقاء كل دولة عضو مستقلة، وقائمة بذاتها، ولها الحرية في اتخاذ ما تراه مناسبا من السياسات الداخلية والخارجية. **** لقد ابتكر علماء ومفكرو السياسة ، تحت إلحاح الحاجة لتعاون وتضامن الدول المختلفة فيما بينها، الصيغ الاتحادية (القانونية – السياسية ) المختلفة … التي يمكن أن تحقق الفائدة الكبرى للدول، المتمثلة في الحفاظ على أكبر قدر ممكن من السيادة والذاتية، وفي الوقت نفسه قطف ثمار التضامن والتكامل مع آخرين … من خلال تبني التنظم والتكتل الدوليين . فاستحدثت عدة صيغ اتحادية… يمثل كل منها اتحادًا مختلفاً من حيث مدى التلاحم، وطبيعته ونتائجه. وأبرز هذه الصيغ الآن هي : المنظمات الدولية بأنواعها ، الاتحاد الكونفيدرالي ( أو : المنظمة الدولية الحكومية الإقليمية الشاملة)، الاتحاد الفيدرالي . إن الهدف الرئيس لكل من تلك الصيغ ، هو: تحقيق درجة معينة من التضامن فيما بين الدول الأعضاء… مع الإبقاء على قدر معين من ذاتية واستقلال أولئك الأعضاء. وذلك الهدف يمثل معادلة … يصعب ( ولكن لا يستحيل ) تحقيقها، بشكل معقول، يرضي كافة الأطراف المعنية – في كثير من الأحوال – كما هو مألوف ، خاصة في بعض مناطق العالم الثالث. إن أفضل وأرقى الصيغ الاتحادية المعاصرة – على الإطلاق – هي صيغة الاتحاد الفيدرالي (Federalism)… الذي يمكن أن يعرف بأنه عبارة عن : قيام دولة واحدة، مكونة من ولايات أعضاء … متحدة في ظل دستور عام، يوزع السلطة بين الولايات والحكومة المركزية المشتركة… وبحيث يضمن للولايات حكم وإدارة معظم أمورها الداخلية ، بينما تتولى الحكومة المركزية المشتركة إدارة العلاقات الخارجية ، والدفاع عن الدولة، وبعض الأمور العامة المشتركة للولايات ككل. فالفيدرالية ، إذا ، تختلف – جذريا – عن الكونفيدرالية التي ذكرنا ماهيتها آنفا . إذ يترتب على قيام كل منهما نتائج مختلفة ، بالنسبة لكل من الدولة العضو والتنظيم الذي أقيم … وان كان يمكن للكونفيدرالية أن تكون تمهيدا لقيام فيدرالية . **** مجلس التعاون لدول الخليج العربية سيبقى ، في ظني ، على هيكله التكاملي الحالي ، ولا يتوقع له التحول إلى صيغة الاتحاد الفيدرالي . ماذا يعني ، إذا ، الاتحاد في تطوير مسيرته ؟! أعتقد أن «الاتحاد» المتوقع والمخطط له يعنى : تعميق عرى التعاون ، عبر : إنفاذ كافة الاتفاقيات التي سبق أن أبرمت فيما بين الدول الست الأعضاء ، وإبرام اتفاقيات تعاونية جديدة يتم الالتزام بإنفاذها ، وخاصة في مجالي السياسة والأمن ، مع الإبقاء على ذات الشكل التكاملي الحالي للمجلس . بكلمات أخرى : هناك توجه ، وشبه إجماع فيما بين الأعضاء ، على ضرورة «توحيد» السياسات الخارجية والدفاعية للدول الأعضاء . وتلك هي الصورة «الاتحادية« التي يسعى للوصول إليها ، كما يبدو للمراقبين عن كثب.