كسبت إدارة محمد الفايز وعادل جمجوم الاتحادية «الرهان» الذي دخلته منذ تسلمت مهمة تسيير الأمور في النادي رغم الضجيج الذي قوبلت به.. ورغم التشكيك القوي في قدرتها على الخروج بالنادي من الحالة المرضية التي عاش فيها الاتحاد.. كسبت الإدارة الاتحادية «الرهان» بقوة حين صمدت أمام الهجوم العنيف الذي تعرضت له منذ تسلمت مقاليد الأمور.. وبلغ هذا الهجوم ذروته حين اتخذت قرارا جريئا بالتخلص من عدد من نجوم الفريق في طليعتهم اللاعب الجماهيري الكبير محمد نور وقدمت عوضا عنهم للساحة الرياضية نجوما رائعين يمتلكون خصائص مميزة لا يملكها الكبار وأثبتوا أن مستقبل الاتحاد الجديد قد بدأ وأنهم سوف يعيدون الاتحاد إلى أمجاده.. وأنهم قادرون ليس فقط على تعويض النجوم الكبار الذين أصبحوا في طي النسيان.. وإنما على تقديم أنفسهم بقوة وبالروح الاتحادية المعهودة التي افتقدناها منذ خمس سنوات.. وبالنكهة التي لا توجد سوى في الاتحاد.. وعند الأصفر والأسود دون غيره.. هذا الكلام «العاطفي» والمتحمس حماس نجوم الاتحاد الجدد كان ضروريا جدا قبل أن نتحدث عن مباراة الخميس بينهم وبين الزعيم الكبير الهلال.. حيث قدم الفريقان مباراة رائعة بكل المقاييس.. سواء من الناحية التكتيكية أو من الناحية الخططية.. أو من الناحية اللياقية.. أو من حيث الروح والإصرار والتصميم على تقديم مباراة لم نشهدها طوال هذا الموسم بل ومنذ بضع سنوات.. حيث كنا نرى مباريات «مملة» و«باردة» وكأنها مجرد أداء واجب.. ولا تتبعد كثيرا عما نراه في التمارين ليس أكثر.. الاتحاد يطبق خطة جديدة فقد اعتمد فريق الاتحاد في الشوط الأول على تنفيذ خطة «وقائية» اتسمت بالحذر والتدرج في الأداء والتمركز الشديد في منطقة الوسط وتجميد الكرة بقدر الإمكان فيها ومنع أي تقدم للهلال خلال هذا الشوط.. والاكتفاء باللعب على الكرات المرتدة بالاعتماد في المقدمة على «مختار فلاتة» يسانده من الناحية اليسرى «فهد المولد» بانطلاقاته المفاجئة بين حين وآخر. فعل هذا الاتحاد طوال الشوط الأول رغم الهدف الذي دخل مرماه في الدقيقة «7» الذي أحرزه نجم الهلال «نواف العابد».. لكن الفريق الشاب حافظ على هدوئه وواصل اللعب بطريقته الحذرة واحتفظ بالمحاور قريبا من خط الظهر.. واعتمد - فقط - على التصدي لكرات الهلال المنظمة.. وظل يواجه خبرته الواضحة مقارنة بما هو متاح ومتوفر لنجوم الاتحاد الجدد.. وكان من الواضح أن المدرب الاتحادي «بينات» يريد الخروج في هذا الشوط بنتيجة واحدة فقط هي استنزاف فريق الهلال ونجح نجاحا كبيرا في تحقيق هذه النتيجة وإن كان الهلال قد نجح نجاحا كبيرا في تقديم نفسه كفريق كبير «وقوي» ومتماسك وأظهر لاعبوه - في هذا الشوط - فارقا كبيرا بينهم وبين الاتحاديين في الحركة.. والانتشار.. وتوزيع الأدوار بنجاح كبير ولا سيما في منطقة الوسط التي بدت مليئة بالزخم الهلالي المفرط إلا أن الفريق افتقد رأس الحربة المباشر في هذا الشوط وجزء كبير من أوقات المباراة لأن الكوري «بيونغ» كان تائها كعادته وكان تعاون الوسط معه محدودا.. لأنه يعتمد على طريقته الخاصة في الحركة والانتقال يمينا ويسارا دون أن يتنبأ أحد بذلك فبدا شبه معزول عن الوسط طوال الوقت.. وحاول نواف العابد أن يقوم بأدوار رأس الحربة بين وقت وآخر إلا أنه كان يعود كثيرا إلى الأطراف.. وهكذا مضى الشوط اتحاديا من الناحية التكتيكية.. وحركة ونتيجة من الجانب الهلالي. كانت أبرز ملاحظة على هذا الشوط هو أن الاتحاد كان ذكيا في توزيع جهد لاعبيه على فترات المباراة كاملة فلم يتعجل النتيجة.. كما أنه لم يتجاهل حاجة لاعبيه إلى الاحتفاظ برصيدهم اللياقي وتوزيعه على الشوطين مقابل خبرة لاعبي الهلال الفارقة.. وكانوا أيضا مدركين تماما أنهم يخوضون مباراة «ثأرية» وفاصلة أمام فريق كبير تلقى الهزيمة الأولى أمامهم منذ بضعة أيام.. فحاولوا استثمار اندفاع لاعبيه وحماستهم فبالغوا في «تبريد» المباراة واعتمدوا على المفاجأة في الهجمات المحدودة.. وصمدوا طويلا.. أمام هجمات الهلال العديدة وكراتهم المتنوعة بين العرضية والساقطة.. والمباشرة وإن نجح الهلال في استثمار كرة عرضية قوية خذلت مدافعي الاتحاد وفاجأت حارسه المميز الجديد «فواز القرني».. هذا التكتيك الذي لجأ إليه المدرب الاتحادي أفادهم كثيرا في الحد من خطورة وصول الكرة الهلالية إلى مرماهم في الشوط الأول.. كما أفادهم في كسب الوقت وفي اكتساب اللاعبين لثقة هائلة تمثلت في فدائية الظهيرين الشابين الجديدين «منصور شراحيلي» من الناحية اليمنى و«محمد قاسم» من الناحية اليسرى وقد قاما بمهمتين مزدوجتين جمعت بين الدفاع والهجوم وأثبتا معها أنهما جديران بالمركزين وبالقيام بوظائفهما الدفاعية والهجومية.. وأنا أعتبر المدرب شجاعا بل ومغامرا حين أوكل إلى ظهيرين ناشئين مهمة الدفاع غير المتحفظ وشجعهما على الانطلاق مع الهجمة وأوكل إلى «أسامة المولد» في اليسار و«أحمد عسيري» في اليمين مهمة تغطيتهما في حالة التقدم فنجح الأربعة معا في أداء مهمتهم على أكمل وجه.. وبالتالي اكتشفنا ظهيرين جديدين يتمتعان بالقوة المطلوبة وحسن التصرف والمراوحة بين الدفاع والهجوم ويتميزان أيضا بسرعة الارتداد.. وهذا في حد ذاته مكسب كبير.. ولا سيما في ظل توفر الثقة بالنفس لديهما.. والقدرة على شغل موقعين حساسين وهامين وكذلك القوة البدنية الكافية ولا سيما بالنسبة للظهير الأيسر «محمد قاسم» وإن تعرض للفت النظر من الحكم على صلابته وقوته البدنية المفرطة.. وهي صفة مطلوبة ولاسيما في المناطق البعيدة عن خط النار «منطقة ال 18».. ونفس النجاح الذي أظهره الظهيران أبداه هجوم المقدمة.. وبالذات فهد المولد الذي أتقن الأدوار الموكلة إليه إلى جانب «مختار فلاتة» الذي يجيد الانطلاق إلى المقدمة كالسهم.. وبدا أكثر تجانسا مع فهد .. وظهر الاثنان على درجة كبيرة من الخطورة لإتقانهما التمريرات البينية الخطيرة بين خط الدفاع الهلالي وكاد يحققان التعادل مبكرا لولا شدة وعنف متوسط دفاع الهلال المحترف «أوزيا ماسيل» ولولا قصر قامتيهما أمام دفاع الهلال العملاق لكنهما عوضا هذا القصر بتبادل كرات ذكية في مناطق حساسة طوال الوقت.. غير أن المساندة من خط الوسط لم تكن كافية.. لا في الشوط الأول ولا في الشوط الثاني لوجود «إمبامي» في غير فورمته المألوفة.. ولبطئه الشديد مقارنة بهجوم المقدمة الشاب.. والحيوي الحركة.. وسريع الانتقال يمينا ويسارا إلى درجة جعلت خط الظهر الهلالي أقل سيطرة على منطقته ولا سيما في الشوط الثاني. وبالخطة التي لعب بها مدرب الاتحاد الشوط الأول (4/2/1/3) استطاع أن يخرج الفريق بالحد الأدنى من الهزيمة وكسب لياقته وقدم مباراة تكتيكية عالية حدت من تحقيق الهلال لأكثر من الهدف. اتحاد الشوط الثاني كان من الواضح منذ بداية المباراة أن اللاعب النجم «هتان باهبري» ما زال يعاني من الإصابة.. ولذلك كانت تدخلاته وتحركاته حذرة ومحدودة.. وجاهزيته لأداء مباراة قوية كهذه غير كاملة.. وأن قدرته على مجاراة هجوم المقدمة وإمداد لاعبيه بكرات سريعة وذكية كعادته غير مكتملة.. ولذلك أقدم المدرب على إخراجه وإراحته في الشوط الثاني وأنزل بدلا منه لاعبا جديدا ونجما واعدا هو «عبدالرحمن الغامدي» وبذلك تغيرت خطة اللعب وخارطته لتميز اللاعب الجديد بنزعته الهجومية بحيث تحرك هجوم المقدمة بوجوده وفهد المولد ومختار فلاتة معا وقدموا أروع وأخطر وأجمل شوط في هذا الموسم كله.. فقد شكل المهاجم الجديد ثلاثيا قويا في المقدمة.. وحول خطة اللعب من الدفاعية البحتة إلى الهجومية الكاسحة وبالذات حين تحرك «إمبامي» و«ساندرو» بصورة أفضل وعوضا شعور كريري بالإرهاق في هذه المباراة وبدا على غير عادته وكأنه غير مكتمل اللياقة وتحولت الخطة من (4/2/1/3) إلى (4/1/2/3) وأصبحت أكثر هجومية وأبعد فاعلية.. وسمح هذا التغيير للظهيرين بالتحرر من مهمتهما الدفاعية في جانب كبير منها إلى مساندة الهجمة من الأطراف.. ولو امتد الوقت بالمباراة لتحققت أهداف كثيرة فيها.. وبالذات لأن الهلال شعر بالخطورة الشديدة فبعد أن سجل «عبدالرحمن الغامدي» هدف التعادل الاتحادي من خلال فرصة صعبة لا يحققها إلا الكبار وأصحاب الخبرة وتخللت الكرة كثافة دفاع الهلال وغزت المرمى بقوة.. لتشعل حرارة فائقة لدى الهلاليين جاءت متأخرة كما جاءت التغييرات الكثيرة والمتوالية في الفترة القصيرة الأخيرة غير ذات جدوى لأنها أثرت على درجة تجانس الفريق وغلبت لديه الرغبة في الفوز بعيدا عن أي مستوى من التنظيم أو حسن التخطيط وكاد الاتحاديون رغم الضغط الهلالي يحصلون على فرصة ثانية قاتلة نتيجة ارتداداتهم السريعة والمفاجئة. وباختصار شديد.. فإن مستقبل الكرة كما بدا أمامنا واضحا أصبح مرهونا بالإقدم على خطوة جريئة كالتي أقدم عليها الاتحاد وذلك بإعطاء الفرصة للوجوه الجديدة وإعطاء الأولوية لمستوى التجانس بين اللاعبين في العمر والفكر وفي الرغبة الجامحة في إثبات الوجود.. والتحول من الصفوف الخلفية إلى المقدمة بعيدا عن مؤثرات الاحتراف وسلبية الأموال الطائلة التي تتدفق على النجوم حتى أصبح المال هو الهدف وليس التميز والتفوق والإبداع.. غير أن صغار الاتحاد الواعدين الذين قدموا شهادة وفاة للمساومات المادية الكبيرة والصفقات الجديدة.. هؤلاء الشباب الواعدون أكدوا أن الكرة لمن يعشقها وأن المستقبل لمن يعشق الكرة والنادي الذي ينتمي إليه ويطمح في الفوز بحب الجماهير وليس الفوز بالأرقام الفلكية التي دمرت خزائن الأندية وقضت على الروح الرياضية العالية.. فهل تتعظ الأندية كل الأندية.. وتمنح الفرصة لمن يعشقون الكرة قبل المال؟ وشيء أخير نقوله للهلال هو.. أن عليه أن يغير خططه وبرامجه ويستعين برصيده من الشباب ويحسن اختيار محترفيه في المرحلة القادمة حتى يحافظ على صدارته وتميزه كفريق كبير السمعة والقيمة والمكانة.