يبدي بعض المتقاضين ومراجعي المحاكم الشرعية انزعاجا مما وصفوه بتعطيل أحكامهم القضائية في عدد من المحاكم، سواء لقلة عدد القضاة أو لتأخر البعض منهم عن أوقات عملهم الرسمي، ورغم إصدار المجلس الأعلى للقضاء، سابقا، تعميما لكافة القضاة ينص على ضرورة التقيد بساعات العمل والحرص على ذلك، وأن وقت الدوام ملك للدولة، ولا يحق لأحد أن يفرط فيه في غير ما وضع له، والقضاة أولى الناس بالالتزام بما حدده ولي الأمر، وهم القدوة لموظفيهم لأداء الواجب. وأنه لا بد من التقيد بالدوام الرسمي من بدايته حتى نهايته، ولا يحق لأحد مغادرة العمل إلا بموافقة صريحة، وتكليف إدارة التفتيش القضائي بالمجلس بمتابعة دوام القضاة في مختلف مناطق المملكة خلال جولات الإدارة التفتيشية على المحاكم، والرفع لرئيس المجلس عن أي تقصير أو تهاون في الالتزام بساعات الدوام، ورغم صدور التوجيهات والتعاميم الصريحة والواضحة، إلا أن هناك من يعاني من تعطل أحكامهم القضائية. «عكاظ» التقت عددا من المواطنين المتضررين للوقوف على الوضع، إضافة إلى بحث الأسباب وطرق العلاج مع مختصين ومحامين ومستشارين قانونيين. على سبيل المثال، ناشد أكثر من 70 ألف نسمة في أكثر من 400 قرية في السهل والجبل بمحافظة العارضة، وأكثر من 35 ألف نسمة في 40 قرية في قرى وادي جازان، وزير العدل الدكتور محمد العيسى لإيجاد كتابتي عدل في قراهم العديدة لتقوم بإنجاز معاملاتهم وإجراءاتهم، بدلا من الذهاب بمعاملاتهم إلى محاكم أخرى، وإيجاد محاكم قريبة لتنهي إجراءاتهم بشكل سريع. معاناة المراجعين وتذمر عدد من مراجعي محاكم جازان من تأخر معاملاتهم وقضاياهم، مرجعين ذلك إلى تأخر بعض القضاة عن دوامهم الرسمي أو أخذهم إجازات بدون توفير بديل، ومطالبين في الوقت نفسه بالحد من التأخر في ظل المتابعة المستمرة من قبل وزير العدل الدكتور محمد العيسى، وقال أحدهم ل «عكاظ» (فضل عدم ذكر اسمه): منذ ثلاث سنوات ومعاملاتي في محاكم جازان، وإحالتي من محكمة إلى محكمة أخرى في المنطقة وبدون جدوى، ما أضطرني للسفر إلى «جدة» لإنهاء معاملاتي بشكل أسرع، لكن بعد المعاناة والخسائر التي تكبدتها من أجل إنهاء المعاملات والتي لا تستحق كل هذا التأخير تم توقيف العديد من إجراءاتي في الدوائر الحكومية لمدة ثلاث سنوات، ما اضطرني للرحيل خارج المنطقة لإنهاء معاناتي المستمرة في المحاكم. وقال أحمد حلبة: منذ عام ونصف ونحن وإخوتي نراجع محاكم جازان بموضوع متعلق بالصكوك، حيث أننا لدينا صك مسبق، فنريد فقط تقسيمه بين الورثة، وتم إنهاء الموضوع من قبل أمانة جازان لتسلم بعدها الأوراق الثبوتية وبأكملها لمحكمة، وما إن تقدمنا للمحكمة وإذا بنا نواجه صعوبات المواعيد من موعد إلى آخر، خصوصا أن الأوراق مكتملة ولا ينقصها شيء سوى التصديق. وقال المواطن طاهر خردلي: منذ تسعة أشهر أراجع المحاكم وهئية التحقيق والادعاء العام في جازان لإنهاء معاملتي في تهمتي بغسيل أموال، علما بأن التهم غير مثبتة علي، وهم في كل مرة يعطوننا موعدا بعد موعد دون النظر في القضية بشكل عاجل، وكلما راجعت أحد القضاة في موعدي المحدد بالمحكمة لا أجده، فلما أسأل عنه فإذا بهم يقولون إنه في إجازة أو غير متواجد، وهذا ما يجعلني أتأخر يوما بعد يوم. عدم الالتزام وقال آخر (فضل عدم ذكر اسمه أيضا): أنا على اطلاع بالتوجيه الصادر من مجلس القضاء الأعلى بضرورة التزام القضاة بالدوام الرسمي، وذلك بعد الشكاوى المتكررة من قبل المواطنين التي طرحت على معاليه، ومع ذلك بعض القضاة في محاكم جازان يتأخرون ويؤدي تأخرهم إلى تكدس المعاملات وتأجيلها، ورغم أن القضاة قدوة لنا ولجميع موظفي الدولة، ومع ذلك نرى التأخر يبدر من بعضهم. وأضاف: كما هو معلوم أن هناك إدارة تسمى التفتيش القضائي ومن مهامها الأساسية مراقبة القضاة في التزامهم بالعمل، ويتم مراقبتهم من خلال عمل جولات ميدانية مفاجئة، إلا أننا ما زلنا نلاحظ تأخر بعض القضاة عن دوامهم الرسمي وكذلك بعض تكدس المعاملات وتأخيرها وإعطاء مواعيد بديلة، ما يجعلنا نتكبد العناء في ظل المسافات الطويلة والمواعيد المتكررة التي لا تنتهي، خصوصا أن محاكم جازان لا تكفي لإنهاء إجراءات الملايين من أهالي المنطقة. مطالبات المواطنين وأكد أهالي قرى محافظة العارضة ومركز وادي جازان، حيث قال ل «عكاظ» علي معتبي وعبدالله الجابري: من أبسط مهام كتابة العدل هي كتابة الوكالات الشرعية، ومع ذلك لا يوجد لدينا كتابة عدل لتحقق آمالنا، ما يجعلنا نضطر للذهاب إلى مدينة أخرى لإنهاء المعاملة، وهذا الواقع يتكرر مع الكثير من الأهالي، وهو ما يجعلنا نتطلع إلى تجاوب سريع من وزير العدل بتوفير كتابة عدل في ظل أعداد القرى المجاورة الكثيفة، وكذلك كثافة السكان المتواجدين بالقرى. تأخر البت المحامي طارق الشامي يشير إلى أن الجيل الجديد من القضاة أكثر تأخرا من القضاة المخضرمين، ويرى أن المحامين يعانون مع موكليهم من قضية عدم التزام بعض القضاة بالدوام، مطالبا بدراسة هذا الأمر ووضع حلول عاجلة له. أما المحامي خالد أبو راشد فيشير إلى أن مشكلة تأخر البت في القضايا لها أسباب مختلفة تعود إلى عدة عوامل منها: قلة عدد القضاة مقارنة بعدد القضايا التي تستقبلها المحاكم، وتباعد مواعيد الجلسات والتي تصل إلى أكثر من ستة أشهر، ونقل بعض القضاة وتعيين آخرين، ما يتطلب المزيد من الوقت للنظر في القضايا من جديد، الروتين المتعلق بالإجراءات داخل بعض المحاكم، فالمحاكم بحاجة إلى ثلاثة أضعاف العدد الموجود حاليا. وأبدى أبو راشد استغرابه من كون مدينة اقتصادية مثل جدة يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة، لا يتجاوز عدد القضاة فيها الأربعين قاضيا، ويضيف قائلا: في أوقات كثيرة يتحمل أطراف القضية جزءا من المشكلة، حيث يتغيب أحدهم عن الجلسات لمرات عدة بدافع التأجيل وكسب الوقت في قضيته، وهذا سبب مهم لتأخير البت في القضية، وهنالك سبب آخر يتعلق بطبيعة القضية مثل الميراث، وكذلك وجود أحد الأطراف خارج المملكة وهذا الأمر يتسبب في تأخير البت في القضية. وأشار أبو راشد إلى أن الحلول تكمن في زيادة عدد القضاة الحاليين، وكذلك تسريع التعامل الإلكتروني داخل المحاكم وربطها بالجهات ذات العلاقة لتسريع النظر في القضية والبت فيها خلال زمن وجيز. عبء إداري واعتبر المستشار والباحث القانوني مفلح الأشجعي أن الأعمال الإدارية الملقاة على عاتق القضاة سبب مهم وجوهري في تأخر القضاة، وإثقال كاهلهم بالأمور الإدارية والتي من المفترض إعفاؤهم بتاتا منها ليتفرغوا للفصل في المنازعات والخصومات. ويرى المحامي الدكتور عمر الخولي أنه من الطبيعي أن يترتب على النقص تراكم القضايا، وتأخير النظر فيها بمواعيد قد تبلغ الستة أشهر أو أكثر، فمثل هذا التأخير يترتب عليه في معظم الأحيان تجميد ملايين الريالات كما في القضايا التجارية. وأوضح الخولي أن المملكة أقل دولة في العالم من حيث نسبة القضاة إلى عدد السكان، لكنه بدأ حاليا زيادة عدد القضاة، ولعلنا نستطيع خلال السنوات الثلاث المقبلة أن نواكب المعدل العالمي لأعداد القضاة في المحاكم. عزوف المحامين فيما أكد المحامي عبدالعزيز الزهراني أن النقص في عدد القضاة أمر طبيعي أن يؤثر على إنجاز القضايا وطول فترة التأجيل، فالقضية البسيطة التي يتوقع الشخص أن تنجز في شهرين أو أقل أحيانا تستغرق سنوات، ما يؤثر على عمل المحامين لدرجة أني أعرف أشخاصا عزفوا بعن مهنة المحاماة سبب التأخير وطول المواعيد، فنقص القضاة أمر واضح للناس، وحتى وزارة العدل بنفسها أقرت في أكثر من تصريح سابق بهذا النقص، ومن الأفضل تعيين قضاة معينين مختصين بقضايا الإنهاءات حتى تساهم ولو بشكل قليل في التخفيف من عبء القاضي والتخفيف من ازدحام القضايا وكذلك تدريب معاوني القضاة، ليكونوا ملمين بالقضاء حتى يسهموا في التخفيف. محمد الجذلاني القاضي السابق في ديوان المظالم أكد أن هناك بعض القضاة غير ملتزمين بأوقات الدوام، فنظام القضاء لم يتكلم ويجعل من واجبات القضاة الالتزام بالدوام، وإنما نص النظام على أن الأمور الوظيفية يطبق عليها نظام الخدمة المدنية، ما يعني أنهم مطالبون بالالتزام بالدوام. واقترح الجذلاني تخصيص مساعدين للقضاة من مستشارين وكتبة يساهمون في تهيئة القضية للقاضي من خلال أخذ البيانات وكتابتها ويبقى على القاضي مناقشة القضية بحيث يوفر الكثير من الوقت.