مسكون بهمومه اليومية الاعتيادية: العائلية والاجتماعية والوظيفية والمعيشية. يحاول أن يتسلل من هذه الطاحونة القاتلة، ويبحث عن نفسه من خلال ورقة بيضاء متجردة من كل هذه المكبلات والعوائق. عندما يخلو بورقته ويحاول أن يبثها لواعج فكره يقف على رؤوس اصابعه الف رقيب ورقيب: قل ولا تقل.. اشطب ولا تكتب. الكاتب، وأعني هنا كل من يمارس الكتابة بكافة اشكالها: الادبية، والصحفية، والفنية، وحتى العملية، يجد نفسه في كثيرا من الاحيان خارج نفسه بنسب مختلفة. الكثير من السلطات تقف على الخط بينه وبين ورقته البيضاء الآنفة الذكر: سلطة الرقيب الذاتي، والرقيب المهني، والرقيب الاجتماعي، والرقيب صاحب الموقف المسبق. يحاول أن يخرج بمقطوعته الكتابية من بين هذه الاشواك ليجد نفسه في النهاية وقد خرج بربع موقف، ونصف حقيقة، وجزء من ذات، وشبه كتابه! في التراث الادبي، قال أحدهم لأحد الكتاب: لقد عجل عليك الشيب، قال كيف لا يعجل وأنا أمارس عملا لا يرجى ثوابه ولا يخاف عقابه! وفي الادب المعاصر يقول نزار قباني: أولى ضحايانا هم الكتاب يعطوننا الفرح الجميل وحظهم حظ (.....) ما لهن ثواب وما بين القوسين، كلمة لم تحذف لأسباب رقابية (!) ولكن حذفت لأسباب أخلاقية لاعتقادي أن الشاعر -وهو كاتب في النهاية- لم يوفق بإيرادها لاختلال اركان التشبيه المنطقية والأخلاقية. مجمل القول وخلاصته: أن الكاتب شمعة تحترق بشكل ذاتي فوق نار هادئة وأي تغير في درجة الحرارة لا يعني أكثر من الذبول والانطفاء السريع. [email protected]