التوحد.. او (المرض الخفي) كما يقول الأطباء، بات يهدد المئات من صغارنا وسط غياب الآليات والمراكز المتخصصة في العلاج والتشخيص، وشكل غياب المراكز الحكومية المتخصصة عاملا جديدا وإضافيا للمخاوف الماثلة من انتشار المرض الخفي فضلا عن عدم معرفة كثير من الاطباء في المستشفيات الحكومية بتشخيص المرض وكشفه، ما دفع الكثير من أولياء الأمور للمطالبة بإيجاد مراكز حكومية ونشر أعراض وطرق العلاج من المرض. وينتقد مواطنون ومراقبون عدم وفرة مراكز التأهيل الشامل وإيواء التوحديين مع مرضى الاعاقة وخلافها، فيما اعتبر البعض المساعدات التي تقدم في هذا الشأن لا تتناسب مع تكلفة المرض والعلاج ونفقاته.. حيث تصل قيمة الزيارة العلاجية الواحدة الى اكثر من 1500 ريال. يصف الأطباء التوحد بأنه نوع من الإعاقات التطورية سببها خلل وظيفي في الجهاز العصبي المركزي (المخ) ويصاحب ذلك توقف أو قصور في نمو الإدراك الحسي واللغوي ما يقلل القدرة على التواصل والتخاطب والتعلم والتفاعل الاجتماعي، حيث تصاحب الأعراض نزعة انطوائية تعزل الطفل عن محيطه بحيث يعيش منغلقا على نفسه لا يشعر بما يحيط به من أفراد أو أحداث أو ظواهر. ويصاحب المرض كذلك اندماج في حركات نمطية أو ثورات غضب كرد فعل لأي تغير في الروتين بينما يكون البعض الآخر مفرطا في الحركة مع عدم القدرة على الانتباه، وإطلاق بعض الأصوات الغريبة وتكرار الجمل التي يوجهها له البعض. الذكور أكثر من الإناث طارق خلف (أخصائي توحد في احد مراكز الطائف) يرى انه يمكن أن يحدث التوحد في مرحلة النمو بدءا من تكوين الجنين في رحم الأم وتبدأ ملامح ظهوره في العامين الأولين من عمر الطفل. ويصيب المرض الخفي الذكور أكثر من الإناث بنسبة 4-1. ويعترف خلف بأنه حتى اليوم لم يتم التعرف على السبب الواضح والدوافع التي تؤدي إلى اضطراب التوحد، لكن هناك العديد من النظريات التي لا يزال المهتمون يعتمدون عليها في محاولة للوصول الى حقيقة المرض. حيث ان طفل التوحد لا يولد بالمرض بل هوا اضطراب نمائي يظهر في عمر 2-3 سنوات. ونفى طارق خلف أن يكون سبب التوحد وراثة من احد الوالدين كما يعتقد البعض. وأضاف (هذا من الجهل لأن المرض لا يزال غامضا ولم يتوصل العلماء إلى معرفة السبب، بل هي نظريات يعمل بها حتى اكتشاف الأسباب الحقيقية). اضطرابات طيف التوحد يرى حمدي عبدالله (أخصائي في المركز ذاته) ان التدخل المبكر لعلاج مرض التوحد يؤدي إلى تحسن حالة الطفل بشكل كبير مع تعاون الاسرة، وهناك عامل آخر يتمثل في نقص الوعي لدى الآباء في ما يتعلق باضطرابات طيف التوحد، ويشمل ذلك الإخفاق في التعرف على أعراض المرض، وبالتالي عدم طلب التشخيص والعلاج، خصوصا في حالات الأطفال الذين يعانون أنماطا معتدلة من التوحد. لذا، يمكن إرجاع التفاوت بين معدلات انتشار المرض بين العالمين العربي والغربي إلى نقص التشخيص، وعدم الإبلاغ عن الحالات التي تظهر عليها أعراض المرض. بينما يعتبر بعض أولياء الأمور دورهم منتهيا بمجرد إلحاق الطفل بمركز او برنامج علاجي. السلوكيات القهرية المندفعة الاختصاصية دلال كمال تشير إلى ان هناك دراسة سعودية، اكتشفت أن نسبة الثلث تقريبا في مجموعة من الأطفال المصابين بالتوحد تربطهم صلة قرابة، مثل أن يكون آباؤهم أبناء عمومة من الدرجة الأولى والثانية. ويذكر أن معظم الزيجات بين الأقارب في العالم العربي تكون بين أبناء العمومة من الدرجة الأولى. وهذا النوع من الزيجات منتشر إلى حد كبير حيث يراوح ما بين 34% و80% من بين كل الزيجات في المملكة ولكن الدراسة وغيرها غير دقيقة ولا يمكن الاستناد على نتائجها. وتقول فاطمة الراجحي (مديرة المركز): رغم أنه لا يوجد حتى الآن علاج معترف به لاضطرابات طيف التوحد، فثمة أشكالات متنوعة من التدخل الطبي والسلوكي، من شأنها أن تحسن من حياة الأطفال المرضى. وهناك اتفاق عام في الرأي على أنه كلما كان التدخل مبكرا في مرحلة الطفولة كان ذلك أكثر فعالية. وتشمل أشكال التدخل العلاجي: الأنماط التعليمية والسلوكية كالتحليلات التطبيقية للسلوك، جلسات التدريب على مهارات اللغة والتطور الاجتماعي، الوصفات العلاجية لبعض الأعراض مثل القلق، الاكتئاب، النشاط الزائد، والسلوكيات القهرية والمندفعة. كما أن هناك العلاج الخاص؛ حيث يصمم برنامج العلاج وفقا للاحتياجات الفردية لكل مريض. في مناهج الطب أخصائي التخاطب والنطق سالم الديب ذكر أن الكثير من الأسر ترفض التشخيص في البداية خوفا من ان يكون لديهم طفل توحدي. ويضيف: هذا لمسته من خلال اللقاء بعدد من أولياء الأمور حيث يتسببون في فقدان الثقة وزعزعة الطفل وعدم تهيئته نفسيا ما ينعكس على تصرفات الطفل وسلوكه مستقبلا. وتطالب تغريد الحارثي وانتصار حلمي (تخصص توحد) بإعادة تدريب أولياء الأمور على تمييز الملامح الأساسية لمرض التوحد، وما يتصل به من تشخيصات متفاوتة، وكيفية التعامل، كذلك زيادة أعداد أطباء النفس المتخصصين، على ان يضم تشخيص مرض التوحد والتعامل معه إلى مناهج كليات الطب والجامعات حيث ان الكثير من الخريجين والخريجات لا يطبقون في مراكز التأهيل الشامل ما تلقوه في الجامعات على ارض الواقع، وذلك لأن التركيز على التعليم النفسي في المملكة والعالم العربي ضعيف، كما أن تلك المناهج ناقصة ولا تتناول نفسية الأطفال، أو اضطرابات النمو. لا لدمج التوحديين مع المعوقين انتقد عدد من آباء الاطفال التوحديين ما اسموه عمليات الدمج في مراكز التأهيل الشامل، وقالوا انها تسببت في زيادة حالات المرض حيث يجب أن يكون هناك مراكز متخصصة لأطفال التوحد وتنفيذها حتى يتمكن من فرز الحالات، حيث أكد الكثير من المختصين أن عمليات دمج اطفال التوحد مع المعوقين تؤثر على الأطفال المصابين بالتوحد ويكتسبون العديد من تصرفات المرضى اصحاب الاعاقات الذهنية. وترى الأخصائية النفسية والسلوكية ملك المعاني أن علاج اضطراب نقص التركيز لدى الأطفال يحتاج لتدخل تعليمي وسلوكي ونفسي وتسمى هذه الطريقة العلاجية الشاملة بالمعالجة المتعددة الأنماط وهي غالبا تتضمن برنامجا تعليميا مناسب يتمثل في جملة ترتيبات في الصف المدرسي مع بعض التدخلات السلوكية وتدريب الأهل على استراتيجيات سلوكية. مراكز فقيرة وبدائية عبدالعزيز العتيبي (ولي أمر طفل مصاب بالتوحد) شرح معاناة آباء الاطفال التوحديين وقال ان العلاج مكلف خاصة ان المراكز الحكومية لا تتوفر بها أقسام للتوحد وإن توفرت فإنها بدائية فقيرة، وينبغي على إدارات التعليم المختلفة تحديد عدد المدرسين المدربين على المهارات المطلوبة الذين تحتاجهم الدولة لمساعدة الأطفال المصابين بالتوحد على بدء حياة طبيعية جيدة. وأضاف العتيبي: الاعانة المخصصة لا تتناسب مع المبالغ التي نصرفها على الطفل إذ تتجاوز 25 ألف ريال سنويا بين تعليم ونقل وتدريب وعلاج، ولا تستطيع معظم العائلات تحمل التكاليف الباهظة لمدارس ذوي الاحتياجات الخاصة. ويحصل معظم الأطفال المتوحدين في سن الدراسة على تعليمهم في المنزل بصفة غير رسمية على أيدي أسرهم، في ظل غياب الجمعيات والمراكز غير الربحية التي تؤدي إلى التخفيف من حدة المشكلة. ويضيف علي العمري أن غياب مراكز التوحد في الكثير من المناطق سبب معاناة الأهالي وكذلك الأطفال فالكثير من المحافظات والمناطق يتم دمج الأطفال المعوقين مع المرضى العقليين والتوحد وهذا لا يخدم الجميع بل يؤدي إلى انتكاس للحالات المتحسنة. وطالب العمري أن يتم فتح مراكز للتوحد والاشراف عليه بواسطة بمتخصصين يستطيعون تقديم الرعاية الجيدة.