تستهويني دوما قراءة الكتب التاريخية ومشاهدتها ومتابعة البرامج الوثائقية، ولقد جذبت انتباهي مؤخرا قناة التحري Investigation Discovery والتي تبث عبر إحدى باقات الشو تايم، وكما هو واضح من اسمها تعنى بقضايا التحري والمتحرين، وتتناول واقع الجرائم بمختلف أنواعها في الولاياتالمتحدة وكندا بهدف تثقيف المشاهدين وتحذيرهم من الوقوع في أخطاء قاتلة قد تتسبب في تعريض حياتهم للخطر، كما أنها تسعى لإثبات مقولة أن «الجريمة لا تفيد» في إشارة واضحة وصريحة إلى أن العلم يستطيع دوما كشف الجرائم مهما سعى مرتكبوها لإخفائها والتستر عليها، لقد كان سلاح هؤلاء المتحرين هو العلم وتقنياته الحديثة التي ساعدتهم على كشف هويات الخارجين عن القانون ومن ثم إخضاعهم للمحاكمة الملائمة وإيقاع العقاب المناسب بهم. وما لفت انتباهي هو أن أكثر الوسائل التي ساعدتهم وساهمت في تقليص معدل الجريمة هو مدى التفوق الذي تم إحرازه في مجال فحوصات البصمة وكذلك تحليل الحامض النووي DNA. لذلك عندما علمت بالقرار الذي أصدره مجلس الوزراء مؤخرا بتعميم أخذ البصمة الأمنية لطالبي التأشيرات من جميع الدول، وجدت أن مثل هذا القرار يمثل وعيا في الفكر الرقابي والأمني ويجسد حذرا واهتماما بالغا بالأمن القومي للمملكة وبحياة مواطنيها. تطبق الكثير من الدول وخاصة المتقدمة هذا الشرط حيث تطالب بأخذ البصمة من جميع الأفراد القادمين إليها، نظرا لما يحويه هذا الشرط من فرص تعزز الاحتياطات الأمنية وتدعمها من خلال كشف هويات الخارجين على القانون. تقوم هذه الدول بإنشاء قاعدة بيانات مختصة بتلك البصمات، تحتفظ فيها ببصمة كل وافد إليها والتي نطلق عليها بصمة مجازا، بيد أنها في واقع الأمر مجموعة متكاملة من بصمات أصابع اليدين، والتي يمكن من خلالها التعرف بشكل جيد ودقيق على هوية صاحبها من خلال أجهزة متطورة ذات تقنيات عالية، ويتم الرجوع إليها عند حدوث أي جرائم كإجراء روتيني يتم من خلاله حصر المشبوهين ومحاولة تحجيم عدد المشتبه بهم، وذلك بالطبع بخلاف الإمكانات الأخرى التي تستخدمها الأجهزة الأمنية للكشف عن هويات المقيمين كبصمة العين وغيرها، والتي تمكنها من مراقبة من تجاوزت إقامتهم الحد المسموح لهم به. وعلى الرغم من أن أخذ البصمة تمهيدا لتحليلها وتحديد هوية صاحبها يعد إنجازا إجرائيا أمنيا بكل المقاييس؛ إلا أنه يعتبر ضعيفا نسبيا بالمقارنة بطرق أخرى لتحديد الهوية، وأعني تحديدا تحليل الحامض النووي DNA ، فالبصمة قد يتم تزييفها بطريقة أو بأخرى، أو قد يستخدم الخارج عن القانون قفازا عند قيامه بارتكاب جريمته، أما الحامض النووي فيعد وسيلة آمنة وفعالة لكشف هوية الشخص، ويتم اكتشافه من خلال اقتفاء بعض الآثار التي قد يتركها على سبيل الخطأ في مسرح الجريمة مهما كانت بسيطة. وتجارب الدول الأخرى تشهد على نجاح هذا الإجراء في كشف هوية المجرمين وتحديد شخصياتهم، ونحن نرى حرص الكثير من دول العالم على تكوين قاعدة بيانات خاصة بالحامض النووي، سواء اقتصرت على المجرمين وأرباب السوابق أو الإرهابيين، أو شملت جميع مواطني الدولة بالإضافة إلى المقيمين فيها من شتى الجنسيات الأخرى، ممن خلت سجلاتهم من ارتكاب أي جريمة أو شبهة جنائية. لاشك أن ما تم إنجازه يستحق التقدير والإشادة بالفعل، غير أن المأمول وما ينتظر إنجازه لا يزال أكثر ليتم إحكام الرقابة الأمنية وتجفيف البؤر الإجرامية والإرهابية من منابعها، ولعل إنشاء قاعدة بيانات للحامض النووي قد تفيد المملكة وتقدم لها خدمة جليلة تساعد في كشف هويات المجرمين والإرهابيين وتحديد شخصياتهم. وكم أتمنى أن تقوم الدولة بوضع شرط لتحليل DNA كإجراء إلزامي ومتطلب إجباري للمواطنين والمقيمين على حد سواء، يقوم بتقديمه كل منهما عند استخراجه أية أوراق رسمية أو ثبوتية كجواز السفر أو رخص القيادة أو استخراج أوراق الإقامة، ثم تقوم ببناء قواعد للبيانات الخاصة به تقوم بتشغيلها والإشراف عليها وكالات متخصصة تنتشر في المدن الرئيسية، تتعاون مع الأجهزة الأمنية والرقابية وقت الحاجة لإحكام السيطرة على المشبوهين وتحجيم الجرائم وتجفيف منابعها، وبهذا يقل معدل الجريمة وينتشر الأمن والسلم في ربوع الوطن. twitter.com/mufti_dr