دأبنا على سماع هذا الاصطلاح الإداري وبكلمة أدق (تدبيجه) على الخطابات والتعاميم لجهة بعض المديرين ومنهم من لا يكاد تمرر عليه ورقة ! إلا ويذيلها ب (للمفاهمة). السؤال المحوري ما جدوى هذا الاصطلاح .. وهل ثمة مقتضيات وأرجحية لاستخدامه.. وبالنتيجة هل يعكس شخصية المدير؟. واقع الحال انقسم رواد علم الإدارة حول الإجابة على تلك التساؤلات فهناك من يقول إن كثرة توسل هذا الاصطلاح أو التوجيه مؤشر على قلة حيلة المدير وتوجسه وإهابه من التفرد باتخاذ القرار فهو لا يستطيع صنع القرارات إلا بإشراك ثلة من مساعديه فإن أصاب القرار نسب لشخصه (الفذ !) وإن أخفق رحل تبعات فشل القرار لمساعديه ومستشاريه ! وفي الإطار وصف هذا الفريق من لا يستخدم هذا الاصطلاح إلا نادرا بأنه يتمتع بشخصية إدارية قوية حصيفة غزيرة العلم والخبرات .. أما الفريق الآخر ينعتون المدير (المتسيد) بصنع القرار بالمركزي وأكثر من ذلك فكثيرا ما يوصف بالمتغطرس المتعالي وعلى الضفة الأخرى يصفون من يستأنس بآراء ووجهات نظر معاونيه بأنه مدير (أريحي) يتمتع برحابة عالية بوصفه يحصد أكبر حزمة من الأفكار والرؤى وبمقتضاها يضع قراراته التي كثيرا ما تكون ناجعة وفاعلة .. أشارك هذا الفريق فيما ذهب إليه بالمجمل وإن بشيء من التحفظ على جزئية ومكمنها .. يتعين على المدير عدم التأثر واستطرادا الانسياق (لأهواء !) مساعديه أو معاونيه وأقول أهواء ولم أقل رؤى وأفكار فالأهواء والنوازع تعني الطوية والتوجهات الشخصية البراغماتية وللإيضاح نضرب مثلا : كأن يطلب المدير انطباعات مساعديه عن أحد موظفي الإدارة فتتمخض الرؤى بإجماعهم أو أغلبيتهم بالاستياء من ذاك الموظف (التحامل عليه) أو العكس المحاباة (على قاعدة المحسوبية وغيرها).. من هنا تتجلى موضوعية وحصافة المدير وحسن تدبيره بعدم التعويل والاعتداد بتلك الآراء واستحضار مزيد من المعلومات عن ذلك الموظف من أطراف أخرى بل واستدعاء سيرته ومقابلته شخصيا وقس على ذلك بقية الأمور ذات الصلة بالموظفين التي يجب أن لا يكون محك مصيرهم ومستقبلهم الوظيفي رهن حفنة من المساعدين (مهما كبر حجمهم الوظيفي) .. بقي التنويه عن موجبة لم يشر لها الفريق المؤيد (للمفاهمة) رغم أهميتها وهي أن هذا الأسلوب يستجلب خفايا ويستبطن نزعات وإن شئت نوايا لا يمكن لأي مدير اكتشافها وسبرها من دون هذا الإجراء.. إليكم الدليل .. قلِد أحدهم منصبا قياديا رفيعا وكان (يستجدي) بادئ ذي بدء أسلوب المفاهمة في كل صغيرة وكبيرة لدرجة أن موظفيه وعلى رأسهم مساعدوه خلعوا عليه تندرا واستهجانا (مدير المفاهمة) كما تنابزوا عليه بسخط وإن همسا بأنه لا يعرف أبسط أبجديات الإدارة وبعد فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر اكتشفوا أن مديرهم يعرف كل تفاصيل العمل فضلا عن سير موظفيه وتوجهاتهم وطفق يعمل بموجبها .. قصارى القول .. من الحصافة واستقامة التفكير ورجاحته استخدام هذا الأسلوب لاسيما المدير حديث العهد بالإدارة فمن دونه لا يمكن بحال التعرف على مجريات العمل وكوامن المرؤوسين وخباياهم وبالنتيجة يستعصي صنع القرار الصائب فمن المفيد اكتساب وتحصيل أكبر كم من المعلومات والأفكار والرؤى التي تعتبر نتاج خبرات متراكمة ومتباينة.. الخطورة في الانزلاق (برخام نوازع) هؤلاء أو الانجرار لأهواء أولئك حينئذ يصح على المدير قول الشاعر: «وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت.. وإن ترشد أرشد» .