إلى وقت قريب كنت أتبسم كلما تذكرت منظر ذلك الطفل الصغير الذي حضر بصحبة والده لإحدى المناسبات العائلية وما أن دخل المجلس وانتهى من تتبع والده وهو يطوف على المعزومين للسلام عليهم حتى ذهب إلى حيث يوجد جهاز التليفزيون ليبحلق فيه بكثير من الدهشة والاستغراب محاولا أن ينظر إليه من الجنب ومن الأعلى ومن الخلف أيضا لعله يعرف كيف دخل إليه ذلك الشخص الذي يظهر على الشاشة!، وعندما فشلت كل محاولاته ذهب إلى والده ذي اللحية الطويلة والثوب القصير والملامح الجادة، وسأله : ما هذا يا أبي ؟!، فما كان من الأب وسط نظرات الحاضرين وملامح الانفعال والحرج ظاهرتان عليه إلا أن نهر ابنه الصغير وأمره بالخروج فورا من مجلس الرجال والذهاب للعب مع بقية الأطفال في الساحة !؟. ليلة الاثنين الفائت خيل إلي بأنني لم أكن العربي الوحيد الذي ارتمى في حضنه ولده الصغير وملامح الدهشة تكسوه وهو يحدق إلى تلك الشاشة حابسا أنفاسه، حيث يظهر المغامر النمساوي فيليكس (43 عاما) وهو يرتدي بذلة مصممة لحمايته من الضغط ويخرج من كبسولة أسفل منطاد هيليوم ثم يقف على حدود الغلاف الجوي للأرض بارتفاع 39 كيلو مترا، قبل أن يلقي التحية ثم يقفز دون تردد ويكسر حاجز الصوت بسرعة 1342.2 كلم في الساعة محطما بذلك نظرية إسحاق نيوتن وأرقاما قياسية ثلاثة لأعلى منطاد مأهول وأعلى قفزة وأعلى سرعة سقوط !، حينها كان ابني ماجد يسألني بكل براءة عن سبب قفزة هذا الرجل وماذا كان سيستفيد لو أنه مات لحظتها ؟!، عندها رأيت أنه من الحكمة أن لا أشغل تفكيره بأن ألخص له في دقائق معدودة ما جهلته أمة بأكملها قرونا من الزمان فطلبت منه بكل هدوء أن يذهب للفراش لينام استعدادا للمدرسة (فقد تأخر الوقت كثيرا) !؟. ذهب ابني لينام، أما أنا فبقيت مستلقيا أصارع الأرق وأحملق في سقف الغرفة، محاولا أن أستعيد بذاكرتي مشهدا مشابها ولو من بعيد لبطل أو مغامر عربي معاصر، لكنني للأسف الشديد لم أتذكر حينها سوى مشهد ذلك الرئيس العربي المخلوع الذي كان يقف على حافة (منصة الإعدام) على ارتفاع ثلاثة أمتار عن الأرض وقد قيدت يداه إلى الخلف وبجواره عدد من المقنعين قبل أن يوضع حبل المشنقة في رقبته ويسقط ويفارق الحياة لتأتي من بعده أقاويل كثيرة تشيد بتضحيته وعمله البطولي وأنه يكفيه ويكفي أمته فخرا بأنه لم يحاول المقاومة ولم يطلب شيئا أثناء تنفيذ الحكم عليه وأنه بدا هادئا ومتماسكا ومضحيا بروحه فداء لوطنه ودينه !!.. قفزة فيليكس التي أقدم عليها وهو بكامل إرادته ويعلم بأنها قد تزهق منها روحه ويتقطع بسببها جسده إلى أشلاء أعلنت عن بداية مرحلة جديدة ومتطورة من الأبحاث والدراسات التي تهتم بقوانين الفيزياء لخدمة البشرية جمعاء بينما سقوط ذلك الرئيس مرغما ( في الحفرة ) وهو لايزال مغرورا ومزهوا بنفسه كان إعلانا لنهاية حقبة سيئة من الجهل والطغيان لحقبة أسوأ منها بكثير، وعندما أجهش العرب حينها بالبكاء على تلك الواقعة وأخذوا يكتبون المرثيات فهذا لأنهم تعودوا النحيب على الأطلال، أما عندما فأطلقوا نكاتهم على قفزة فليكس فما تلك سوى أثار طبيعية للصدمة العصبية التي انتابتهم وأيقظت بداخلهم الحسرة على الترتيب المتأخر لدولهم صناعيا واقتصاديا بين مختلف دول العالم، فصدحت ضحكاتهم عاليا حتى انهمرت الدموع من أعينهم طوال تلك الليلة!؟. [email protected] للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 277 مسافة ثم الرسالة