تحظى خطب الجمعة في الحرمين الشريفين بمكانة تختلف عن مثيلاتها من خطب المساجد المنتشرة في أنحاء المعمورة، لما يحظى به الحرمان من مكانة ومتابعة عالمية، وما يعالجانه من قضايا الأمة أجمع. هاتان السمتان أكسبتا خطبة منبر الحرمين أهمية، إذ اعتبرها البعض منبرا سياسيا أكثر منه دعويا؛ حتى كان لزاما أن يعنى خطباؤه بانتقاء المواضيع على أتم وجه. وأفصح أحد خطباء الحرمين عن أن اختيارهم للمواضيع تنتهج طريقتين كلتاهما اجتهاد من قبل الخطيب ذاته. ووصف مشاركون بأن أئمة الحرمين ذوو قدرات عالية، ويتمتعون بعلم أهلهم للخطابة في هذا المكان، قائلين «أئمة الحرم لا يحتاجون إلى هيئة لتحديد المواضيع لهم؛ لأسباب، أهمها أن الهيئة ستتكون من خطباء الحرم أنفسهم»، ولافتين إلى ضرورة أن تساير الخطب الأحداث التي تمر بالعالم الإسلامي. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور صالح بن حميد أن اختيار خطب الجمعة في الحرمين الشريفين تتم وفق طريقتين، إحداهما مطالعات الخطيب الشخصية وبحثه وقراءاته، إذ يجعل قائمة أمامه يختار منها ما يراه مناسبا كموضوع بر الوالدين والصلاة والتي هي الركن الثانية... ونحوه مما يخدم العبادات. ونوه بأن الطريقة الثانية لاختيار موضوع الخطبة يتم وفق ما يقتضيه الحدث، كمناسبات الأعياد أو الأحداث الدولية والعامة، قائلا «يحرص الخطيب في الحرم المكي أو المدني على أن تكون خطبه عامة، وتتناول القضايا الإسلامية على مستوى واسع، لا أن تكون ذات نطاق ضيق». ونفى وجود اتفاق أو استراتيجية بين الخطباء لاختيار الخطب» لافتا إلى أن «للخطيب حرية اختيار موضوعاته»، قائلا «أنا ضد الإلزام بالمواضيع». وحول اقتراح وجود هيئة يتم عن طريقها اختيار المواضيع، أبان أنه لا يحبذ ذلك؛ لكنه أوضح عدم ممانعته لموضوع الإرشاد في نوعية المواضيع المقترحة. وفق عناية إلى ذلك، أوضح الأمين العام للهيئة العالمية للعلماء المسلمين الدكتور سعد الشهراني أن اختيار أئمة الحرمين يتم بعناية متناهية من العلماء وأهل القدرات ممن لا غبار عليهم، مشيرا إلى أنه ومن غير المناسب اختيار هيئة لتحديد الموضوعات، بل يتاح للخطيب حرية المجال. وقال: «لكن يمكن إيجاد فريق علمي يتابع الأحداث ويقدم تقارير علمية تساعد الخطباء عند إعدادهم للموضوعات». ولفت إلى أهمية دور خطبة جمعة الحرمين؛ نظرا لتأثيرها العالمي، متمنيا لو ترجمت إلى لغات عالمية عبر ترجمات فورية أو حية في إذاعة القرآن الكريم، مستعينين في ذلك بخبراء عالميين متمكنين. ترفع الهمم أما المشرف على كرسي الأمير سلطان للدراسات الإسلامية الدكتور خالد القاسم فأوضح أهمية خطب الحرمين وحرص المسلمين على الاستماع إليها، قائلا «المستمع لها محتاج إلى ما يرفع من همته وعمله، كما يحتاج أيضا إلى من يبعده عن اليأس والقنوط». وذكر أن خطب الرسول صلى الله عليه وسلم كانت مواعظ وتحث على الأعمال الصالحة، لافتا إلى أن الخطب لا ينبغي أن تكون منبرا سياسيا، بل أن تعالج الأمور وفق ما تقتضيه الحاجة. ورأى أن شؤون الحرمين أدرى في ما يخص الخطبة والخطيب، وهم المخولون بالحديث عن ذلك. ويواصل: «لا شك أن الأئمة حينما يتشاورون في خطبهم ويتناصحون في طرح المواضيع، فإنهم بذلك يخدمون الإسلام إيجابا»، مشيدا بدور جهود شؤون الحرمين لاهتمامهم بالترجمات، حاثا على بذل المزيد في هذا المجال. وخلصإلى أنه «لا بد من العناية التامة بالخطبة؛ كونها تنقل عبر وسائل الإعلام إلى كافة أنحاء العالم». مكانة في النفوس من جانبه، بين إمام وخطيب جامع الملك سعود في جدة سعيد القرني أن خطب الحرمين تمثل مكانة في نفوس المسلمين؛ كونها تبث من مكانين عظيمين، لافتا إلى أن أهميتها تنتج من متابعيها الذين يصلون بالملايين؛ ولذا من المهم انتقاء مواضيعها بعناية متناهية، ومشيدا بالتنوع في خطب الحرمين، والتي تختلف من أسبوع لآخر. يمتلكون إمكانيات إلى ذلك، رأى إمام وخطيب مسجد التقوى في شارع التحلية في جدة نبيل الرفاعي أن وجود هيئة لاختيار خطب جمعة الحرمين لن يجن فوائد كبرى، عازيا عدم تحقيق الهيئة المقترحة للفائدة لأمور، أهمها أن خطباء الحرمين على مستوى عال، ويمتلكون إمكانات أهلتهم لبلوغ هذا المكان، كما أن اللجنة ستتكون من ذات الخطباء، وبالتالي لن تأت اللجنة بجديد. وذكر أن إتاحة المجال للخطباء في اختيار الموضوعات يحقق التنوع الذي يحتاجه المستمعون؛ كونهم متنوعين في أفكارهم وآرائهم، مضيفا أن جعل كل خطبة على إمام يثري مواضيع الخطب؛ لأن ذلك يعطي متسعا في جمع مادة علمية تثري المستمع بما يفيده. ورأى أن ترك المجال للخطباء ليجتهدوا يجعلهم متنوعين في أفكارهم، وهذا مما يحتاجه المسلمون. واعتبر منبر الحرمين سياسيا أكثر منه دعويا» قائلا: على هذا الأساس ينبغي أن تكون موضوعات الخطب متنوعة وتهم المسلمين دون الاقتصار على الأمور الداخلية، وهذا ما أكسبها الاختلاف عن أي سائر خطب جمعة. متميزون في الأداء إمام مسجد الخلفاء الراشدين عادل الجهني رأى أن إنشاء لجنة لانتقاء الموضوعات لخطب الحرمين لا أهمية له، خصوصا أن الموجودين ثقات. وذكر أن أئمة الحرمين يحرصون في خطبهم على تناول كافة الموضوعات التي تهم مختلف شرائح المجتمع، كما أنهم متميزون في الأداء ولكل منهم طريقته. ورأى أهمية تركيز منبر الحرمين على الجوانب الاجتماعية، خصوصا أن المستمعين الذين يتجاوزون الملايين في أمس الحاجة لعلاج مثل هذه المسائل، المتعلقة بجانب الأخلاق وارتباطها بالعقيدة... ونحوها.