كتبت عنه كثيرا. وفي كل مرة أبدأ بخط الحروف عنه أرتعد خوفا. حاولت نظم قصيدة فيه لمرات عدة، لكني لم أفلح. ولم يكن ذلك ليقيني بأني لا أجيد النظم، بل لعدم قدرتي على حصر مزاياه الكثيرة. ودوما، أتساءل: ترى هل سأكتب عنه كما ينبغي أم سأخفق؟ وإن حدث أن أخفقت، هل سأتحمل ثقل شعوري بالإخفاق؟ لا أعتقد. لذا، غالبا ما ينتهي هذا الشد والجذب بيني وبين نفسي بأن أسكت صوت العقل قليلا، وأكتب الألحان التي يعزفها قلبي فقط. لكن ما الذي سيقوله القلب دون عقل يؤازره؟ حتما سيقول بأن حب الوطن من أطهر أنواع الحب، وبأننا جميعا مهما اختلفنا في التعبير عن هذا الحب فهذا لا يعني أنه غير موجود. لكن العقل يأبى إلا أن يتدخل فيما يقوله القلب، فينقح ويضيف بأن حب الوطن ليس طيفا عائما، وليس أسطرا في كتاب، وليس مشهدا في إذاعة مدرسية، وليس جلدا للذات في المنابر، وليس صوتا يخترق طبلة أذنك في الشوارع! حب الوطن هو ببساطة «نتاج». إنه نتاج تلك الذبذبات التي يتلقاها الإنسان حين يخطو خطواته الأولى على أرضها وتتلقفه بحنان إذا تعثر ووقع، وحين يجيبه والداه بأن ما يرفرف يا صغيري هو العلم، وحين يحفظ النشيد عن ظهر قلب ويردده كل صباح مع رفاقه في طابور المدرسة، وحين يتم صفوفه الدراسية كغيره بالمجان، وحين يلقي برأسه المثقل على وسادته كل ليلة وهو ينعم بالأمان. وذلك النتاج ينبغي أن يظهر على هيئة صور بديعة من التسابق للوصول إلى قمة الهرم، باستثمار كل الطاقات والتخلص من عوامل التلف ومظاهره. وكل ذلك لن يتم إلا ببناء الذات أولا، وتحمل المسؤوليات ثانيا، والكف عن التبرم وتوجيه أصابع اللوم نحو الظروف والآخر ثالثا، والعمل بصمت.. أبدا، وترجمة الوطن في الجسد. أختم مقالي بكلمات الشاعر فاروق جويدة: «سنرعى أمانيكِ، من ذا سيفدي أمانيك يوما سوى الأوفياء.. سنروي ربيعك رغم الصقيع، عبير الحنايا وعطر الدماء».. كل عام ونحن للوطن سواعد. [email protected]