لاشك في أن بعض المواسم أو الأحداث سعيدة كانت أو حزينة تمارس ضغطا عجيبا على عقولنا لنتناولها في كتاباتنا، وتظل تحاصرنا وتدغدغ فينا غريزة التعبير عن آرائنا وانفعالاتنا تجاه كل ما يتعلق بها، فإما أن نصمد وننتصر بكبرياء، وإما أن نتهاوى ونكتب بسخاء. لكني وبعد شد وجذب مع أفكاري آثرت أن أقص عليكم ما حدث مع «حامد». «حامد» شاب عشريني، ولد بعد سنوات طويلة من العلاج والمتابعة والانتظار، سرقت معها الأمل في إمكانية إنجابه، خاصة أن والديه تجاوزا عقدهما الرابع. منذ أن أقبل وتحقق بوجوده حلم والديه وهو يعيش حياة يتمناها كثير غيره ممن حرموا، لكنه لم يشعر يوما بذلك، كان مبذرا لا يدرك قيمة المال الذي كد والده لتوفيره، ومتطلبا لا يقدر أن والدته تجاوزت الخامسة والستين ولا تستطيع الركض لتحقيق ما يريد كما كانت تفعل في صغره، ومتعجرفا وعنيدا في نقاشه مع أصدقائه، ولم يكن له من اسمه حظ ولو يسيرا، وفي يوم من الأيام، حدث ما لم يكن في الحسبان وقلب حياته رأسا على عقب، دخل «حامد» منزله عائدا من الجامعة، حين سمع صوت والدته وهي تنتحب وتحادث زوجها قائلة: «لا لا، أنا لا أصدق! ألا يعقل أن تكون المرأة كاذبة وتسعى للحصول على مبلغ من المال؟ إذن لماذا تخبرنا الآن بعد أن أتم الثانية والعشرين؟ كيف نخبره بالأمر؟ ماذا سنقول؟ أنا لا أصدقها ولن أفعل، إنه ابني»، فأجابها زوجها: «اهدئي يا عزيزتي، أنا تائه مثلك ولا أعرف ما علي فعله، يجب أن نفكر جيدا بالأمر قبل أن نتخذ أي قرار، لكن الأهم من ذلك كله أن نخبر «حامد»، نعم.. علينا ألا نخفي الأمر عنه فهو ضحية مثلنا، وليس ذنبنا جميعا أن الممرضة أخطأت في تسليمنا لطفلنا واستبدلته بطفل آخر». تلك اللحظة.. استيقظ «حامد» من نومه فزعا، فما رآه في منامه كان مجرد حلم مزعج غير مجرى حياته.. للأفضل. [email protected]