هو تساؤل وليس سؤال يحتاج إلى إجابة بقدر ما يحتاج إلى تأمل، وأذهب إلى أبعد من ذلك، وأتساءل هنا هل أنا صحفي؟! وهو سؤال ليس من باب التواضع ولا قبيل البساطة لأنه جاء بعد تأمل وقراءة للمشهد الإعلامي، ومن المعلوم عند أكثرنا أن كل صحفي إعلامي وليس كل إعلامي صحفياً. إذا فلنبق على التساؤل الأعم؛ هل أنا إعلامي؟! تساؤل بسيط لكنه يأخذنا إلى مشهد ليس بالبسيط، فقد تجرأ الكثير وربما أكون أنا أحدهم على استسهال كلمة إعلامي، وصحفي، وهو ما لا يحق لنا أن نستسهله، فلا يعني أن ممارستي للكتابة الصحفية تجعل مني صحفياً وبالتالي، إعلامياً. كتاباتي الصحفية تعني أنني كاتب صحفي وهي مكانة مرموقة في ميدان الصحافة ولكنها لا ترتقي لتلك التجربة التي صقلت ذلك الصحفي منذ أن كان يلحق الزمان والمكان والحدث ليغطي قضايا ومواضيع وأحداثاً من مختلف الأنواع والأشكال. هذا هو الصحفي الذي عجنته الصحافة، وصقله الميدان الاجتماعي والثقافي بكل أنواع الصحافة وأشكالها. لا أبالغ إن قلت: إن الميدان هو الجامعة العالمية التي تخرج الصحفي الحقيقي متى ما أثبت حضوره ومهنيته وأخلاقياته الصحفية، أو لعلي لا أبالغ إن قلت: إن تجربة سنة ميدانية مكثفة ينتج عنها تغطيات وتثمر تفاعلاً وردود فعل بالكتابة والتناول الإعلامي المرئي أو المسموع توازي درجة دكتوراه فخرية وربما أكاديمية، مع عدم تقليلي من الدرجات العلمية التي تتكامل مع العمل الميداني، وتمنح صاحبها جلد البحث، ومشقة التمحيص والتثبت، وسبر أغوار المناهج والنظريات والنماذج والتجارب، والتنقيب والتحليل والمقارنة والكتابة الرصينة المحكمة، والحضور العلمي، ودعم سجلنا الوطني محلياً وإقليمياً وعالمياً بالدرجات العلمية الرفيعة. الإعلام تجربة متكاملة، والصحافة ميدان صحافي، ومطبخ صحفي، ومقال وتغطية وتحقيق وتقرير...؛ هذه التجربة المكتملة هي الجديرة بأن يمنح من يمر في طريقه المهني بها لقب صحفي. ويظل العمل الميداني المحك الأول والتجربة الأكثر رسوخاً، والأكثر مشقة، وإن كنا لا نجهل أن العمل المكتبي الصحفي فيه ما فيه من المشقة والعناء والجهد المضاعف، وتجاذبات الرؤى التي تأخذ حقها من الضغوط النفسية والفكرية، وقد تكون هذه هي المحطة التي كنت أرصد منها مدى قيمة وأهمية الصحافة الميدانية التي خرجت لنا أجيالاً صحفية سعودية صنعت المشهد الصحفي السعودي، والحاجة إلى أن تعاد إلى المشهد وتُدعم مادياً ومعنوياً، وقد يكون اهتمامي بعلم الاجتماع الإعلامي هو النافذة الأخرى التي أطللت منها على مشهد إعلامي وصحفي يمكن دراسته وتشخيصه. نحن لسنا بحاجة إلى إجابة بقدر حاجتنا إلى أن نفهم طبيعة كل مهنة، وواجباتها وأخلاقياتها، وموجبات الانتماء لها والحصول على مسماها، وأهمية كل دور وما نحتاجه منه وما يحتاجه منا من تقدير واستحقاق لتظل صحافتنا أحد أقوى مكونات قوتنا الناعمة التي بدأنا نرى مدى تأثيرها وفاعليتها، واحتياجنا الدائم والحقيقي لها.