ضجت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الجاري بالتعليق على إعلان شخص التشفي من آخر وسعادته بما جرى له من ألم وخسائر.. كان هناك انقسام كبير بين مؤيد وآخر رافض، ووفق وجهة الآخرين أن التشفي جانب غير إنساني ويعارض حكمة الرب "فمن عفا وأصلح فأجره على الله".. وهم يرون أي "الآخرين" أن المظلوم أحيانا يتحول إلى ظالم في ثوب مظلوم وإلى متشفّ معتد يتجاوز ما حدث له من ظلم إلى أشد منه.. يسقط في وحل الانتقام بكل سوء تحت مبرر المظلومية التي تعرض لها ووقعت في حقه. هنا لسنا في محل وضع المقاييس الخاصة بالمظلومية ولا الانتصار.. أو حتى الاجتهاد بمعرفة من ظلم من؟ كما هو اهتمام بعض كثير من رواد التواصل، في ظل أننا نؤمن أن الظلم من أبشع صور التعامل الإنساني والمختصون فسروه على أن: "المظلومية شعور بانتهاك الحقوق والاعتداء على الذات ومجاوزة الحق والتعدي على الآخرين في أموالهم أو أعراضهم، ومن فعل شيئا من ذلك فقد ظلم نفسه وظلم غيره".. ومتى ما حضر الظلم فقد انقطعت أواصر العلاقات، وحلّت مكانها المشاحنات والعداوات، وهذا مُؤذن بفساد العلاقات الإنسانية. يقول الله سبحانه وتعالى "يا عبادي.. إني حَرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُهُ بينكم مُحَرَّمًا فلا تظالموا" وتبرأ الله منه فقال: "وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا".. وقد شرع الله للمظلوم حقا مباشرا هو الأسرع: دعوة المظلوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ دعوةَ المظلوم؛ فإنَّها ليس بينها وبين الله حجاب". ووفقا للمناكفات والردود التي حدثت أُشير إلى أن مواقع التواصل وخاصة منصة أكس باتت تحفل بتداخلات لأناس مظلوميتهم لا تستند على حقائق أو مبالغاً فيها، والأدهى إن كانت انتصارا أو رفضا لتجارة أو منطقة أو قبيلة وحتى نادٍ كروي بمجرد التبني والاستثمار للمصائب، وحينما يكون مدّعي المظلومية متبنيا ومعلنا لكل ضدية تجاه خصمه فإن مثل ذلك مدعاة لنشر الكراهية والفتنة، ولا أشد سوأة من التجني على أناس محترمين بسبب الاختلاف غير المباشر مع توجه أو انتماء، فيسهم من يتبنى المظلومية ومنتهزوها إلى تحويلهم إلى صور مشوهة ونماذج سيئة وهم غير ذلك. الظلم ظلمات يوم القيامة لكن التعامل كما حدث بشكل لافت تجاوز "الترندات" هو ترسيخ تلك الآفة وجعلها سهلة الحضور على المواقع وما يتبعها من تشويه وتشنيع، رغم أن القانون عادة ما يكون حاضرا لضبط كثير من الأمور، وأيضا لا ننكر ولا نختلف حول شرف نصرة المظلوم والوقوف بجانبه، ووجوب رد المظالم إلى أهلها ومعاقبة الظالم، لكن المظلومية التي تأتي على مواقع التواصل بلغت شأنا مقززا حتى لا تكاد تعرف أيهما المظلوم، في ظل استهجان المشاركات الكثيرة المثيرة للغبار بين المتشاكيين. هنا والخلاصة الأهم لهذا المقال وهي دعوة ألا يكون خطاب المظلومية هو الأكثر تفاعلا على منصّاتنا الإلكترونية كما يحدث الآن، لأننا لا نتمنى أن يكون ما يحدث هو الهوية الأبرز لها، منقادين خلف غوغاء تبحث عن المنغصات والتوافه أكثر من عملها على الفائدة والتسامح.