كثر الحديث مؤخرا عن حوار الثقافات. وبات مطلبا رسميا على مستوى القيادات لكافة الدول الراغبة في التعايش السلمي والاحترام المتبادل. إلا أن هناك من لا يزال يجهل المعنى الحقيقي لحوار الثقافات ويعتقد أنه أحد الإفرازات الحديثة للمتغيرات السياسية وأحداث العصر الراهنة. ولو عدنا لتاريخ البشرية، سنجد أن الحوار كان قائما منذ بدء الخلق وما زال إلى يومنا هذا. نمارسه في حياتنا اليومية دون أن نشعر. لم تكن ثقافتنا العربية والأسلامية لتصل إلى أقاصي الأرض وأدناها لولا القوافل العربية التجارية التي انطلقت قديما من قلب الجزيرة العربية، والتاجر العربي المسلم الذي حمل الأمانة بكل اقتدار رغم مشقة الوصول والصعوبات التي واجهها. كان الحوار الثقافي قائما بينهم وشعوب كل ماتصل إليه جمالهم وخيولهم من بقاع الأرض. وما مبادرة خادم الحرمين الشريفين ببناء مركز للحوار الثقافي إلا رمز يجسد الدور والوجه الإنساني لمملكتنا الراعيه للسلام. فتراب الوطن من الحد للحد مركز للحوار وسماؤه سقف تجتمع تحتها الثقافات لشتى الشعوب بمختلف لغاتها منذو نشأتها الأولى. ولعل الحج أكبر تضاهرة موسمية تلتقي من خلاله الشعوب في أطهر بقاع الأرض وهم في أفضل حال ومستعدين للحوار الثقافي، متحدين شكلا وموحدين، مختلفة ألسنتهم وثقافاتهم، هم في حوار معنا منذ أن قرروا الحج، يستجمعون كل مايتعلق بوجهتهم، بنا نحن الإنسان وبالمكان وبكل مايتعلق بحياتنا ونظامنا الاجتماعي والمعيشي. وما أن تطأ أقدامهم تراب الوطن عبر بواباتنا الجوية والبحرية والبرية، يبدأ الحوار تلقائيا. وبما أن الثقافة أولا وآخرا سلوك لفظي وحركي، فإن نظامنا الاجتماعي بمجمله شكلا ومضمونا هدف لهم، يضعونه نصب أعينهم ويولونه جل اهتمامهم. فما نترك فيهم من انطباعات عنا، يحملونها معهم في رحلة العودة إلى أوطانهم. ولا يقتصر الحوار على الحج، فهناك حوار آخر مستمر طوال العمر فبلادنا المترامية الأطراف لا تخلوا من وافد غريب، والحوار لا ينتهي ولا يقف في مكان، الخادمة والسائق في المنزل، والعمالة في مؤسساتنا الوطنية والأهلية وعلى الطريق، ومهما بلغوا فينا وطال بهم الزمن، هم سفراء لشعوبهم.