منازل تسقط، رواشين تتآكل، وتاريخ أجداد وآباء يتوارى من قلة الاهتمام. إن منطقة جدة التاريخية «البلد» بوابة للحرمين الشريفين وقلب الاقتصاد في وقت مضى حيث تفوح من أزقتها رائحة التاريخ والبحر ولاتزال مضرب المثل في تقديمها لأغلب المثقفين والأدباء الذين تربوا ونشأوا بين حاراتها، وفي حين غرة تنكر بعض أهلها لتاريخ المنطقة فأضحت كثيفة بمجاري الصرف الصحي ومرمى للنفايات ومسكانها صارت نهبا للوافدين حيث أهملها سكانها دون اكتراث للزمن الجميل. وبعضها تآكلت رواشينها، وبعضها الآخر سقط فلم يبق إلا كوم من الحجار، شاركهم الإهمال بعض الجهات الحكومية التي كان من الأولى أن تحيي التاريخ من جديد، حيث بات الزوار والسياح يخشون دخولها خشية سقوط الكنز العمراني فوق رؤوسهم.. ذلكم الكنز الذي ضاع بين الوعود. 50 عاما من الصمود التقت (عكاظ) صاحب التسعين عاما العم شرف فيقول: عشت في المنطقة ما يقارب الخمسين عاما حيث شيدناها بطرق بدائية وبالطين، وضعنا عليها الرواشين المصنوعة من أخشاب «التيك» حيث تستورد من الخارج. ويضيف العم شرف كان التعاون فيما بيننا هو الشي الوحيد الذي أحيا المنطقة، وفي غمضة عين يأتي أبناء لم يقدروا قيمة هذا المعمار التاريخي، ويزيد بنبرة حزينة كيف يعيش وهو مهمل لتاريخه. يحكي لنا العم سالم بن هلابي وهو جالس في دكانه الذي لا يكاد تكون مساحته تزيد على متر في نصف متر وقضى فيه مايقارب الثلاثين عاما يقول: هناك بيوت هجرها أهلها.. فمنها ما سقط ومنها ما أصبحت مسكنا للعمالة الوافدة، ولم تحظ المنطقة بالاهتمام من قبل ملاكها أو من قبل الأمانة، ويردف: ( إنني أشعر بالحزن على جهد جيل يضيع بسبب الإهمال، تمنيت لو كانوا معنا اليوم ليروا ما جرى لحجم التاريخ الذي بنيناه لهم).. يشار إلى أن المنطقة التاريخية شملها مشروع تطويري، حيث يعمل على توفير البنية التحتية للمنطقة وبالحفاظ على الشوارع القائمة حاليا مع توسيعها، وإعادة ترميم البيوت القديمة والحفاظ على النسيج العمراني القديم وعدم الخروج عن رونقها العتيق.